وموجباته. وعلى القول بأن المراد به الآلة التي يوزن بها فيكون إنزاله بمعنى إرشاد الناس إليه وإلهامهم الوزن به، ويكون الكلام من باب علفتها تبنا وماء باردا وأنزلنا الحديد (أي خلقناه كما في قوله - وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج - والمعنى: أنه خلقه من المعادن وعلم الناس صنعته، وقيل إنه نزل مع آدم (فيه بأس شديد) لأنه تتخذ منه آلات الحرب، قال الزجاج: يمتنع به ويحارب، والمعنى: أنه تتخذ منه آلة للدفع وآلة للضرب.
قال مجاهد: فيه جنة وسلاح، ومعنى (ومنافع للناس) أنهم ينتفعون به في كثير مما يحتاجون إليه مثل السكين والفأس والإبرة وآلات الزراعة والنجارة والعمارة (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) معطوف على قوله ليقوم الناس: أي لقد أرسلنا رسلنا وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس وليعلم، وقيل معطوف على علة مقدرة، كأنه قيل ليستعملوه وليعلم الله، والأول أولى. والمعنى: أن الله أمر في الكتاب الذي أنزل بنصره دينه ورسله فمن نصر دينه ورسله علمه ناصرا، ومن عصى علمه بخلاف ذلك وبالغيب في محل نصب على الحال من فاعل ينصره أو من مفعوله: أي غائبا عنهم أو غائبين عنه (إن الله قوى عزيز) أي قادر على كل شئ غالب لكل شئ، وليس له حاجة في إن ينصره أحد من عباده وينصر رسله، بل كلفهم بذلك لينتفعوا به إذا امتثلوا ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم) لما ذكر سبحانه إرسال الرسل إجمالا أشار هنا إلى نوع تفصيل، فذكر رسالته لنوح وإبراهيم، وكرر القسم للتوكيد (وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) أي جعلنا فيهم النبوة والكتب المنزلة على الأنبياء منهم، وقيل جعل بعضهم أنبياء وبعضهم يتلون الكتاب (فمنهم مهتد) أي فمن الذرية من اهتدى بهدى نوح وإبراهيم، وقيل المعنى: فمن المرسل إليهم من قوم الأنبياء مهتد بما جاء به الأنبياء من الهدى (وكثير منهم فاسقون) خارجون عن الطاعة (ثم قفينا على آثارهم برسلنا) أي اتبعنا على آثار الذرية أو على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم إلى الأمم كموسى وإلياس وداود وسليمان وغيرهم (وقفينا بعيسى ابن مريم) أي أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم، وهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه (وآتيناه الإنجيل) وهو الكتاب الذي أنزله الله عليه، وقد تقدم ذكر اشتقاقه في سورة آل عمران. قرأ الجمهور " الإنجيل " بكسر الهمزة، وقرأ الحسن بفتحها (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة) الذين اتبعوه هم الحواريون جعل الله في قلوبهم مودة لبعضهم البعض، ورحمة يتراحمون بها، بخلاف اليهود فإنهم ليسوا كذلك، وأصل الرأفة اللين، والرحمة الشفقة، وقيل الرأفة أشد الرحمة (ورهبانية ابتدعوها) انتصاب رهبانية على الاشتغال: أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، وليس بمعطوفة على ما قبلها، وقيل معطوفة على ما قبلها: أي وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عند أنفسهم. والأول أولى، ورجحه أبو علي الفارسي وغيره، وجملة (ما كتبناها عليهم) صفة ثانية لرهبانية، أو مستأنفة مقررة لكونها مبتدعة من جهة أنفسهم، والمعنى: ما فرضناها عليهم، والرهبانية بفتح الراء وضمها، وقد قرئ بهما، وهي بالفتح الخوف من الرهب، وبالضم منسوبة إلى الرهبان، وذلك لأنهم غلوا في العبادة وحملوا على أنفسهم المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والمنكح، وتعلقوا بالكهوف والصوامع، لأن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي منهم نفر قليل فترهبوا وتبتلوا، ذكر معناه الضحاك وقتادة وغيرهما (إلا ابتغاء رضوان الله) الاستثناء منقطع: أي ما كتبناها نحن عليهم رأسا، ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله. وقال الزجاج: ما كتبناها عليهم معناه لم نكتب عليهم شيئا ألبتة، قال: ويكون (إلا ابتغاء رضوان الله) بدلا من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى: ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله (فما رعوها حق رعايتها) أي لم يرعوا هذه الرهبانية التي ابتدعوها من جهة أنفسهم، بل صنعوها وكفروا بدين عيسى، ودخلوا في دين الملوك الذين غيروا