مخططة بسواد وبياض، وقيل بسواد وحمرة، وقيل معروفة بأنها حجارة العذاب، وقيل مكتوب على كل حجر من يهلك بها، وقوله (عند ربك) ظرف لمسومة: أي معلمة عنده (للمسرفين) المتمادين في الضلالة المجاوزين الحد في الفجور. وقال مقاتل: للمشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين) هذا كلام من جهة الله سبحانه: أي لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من قومه المؤمنين به (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) أي غير أهل بيت. يقال بيت شريف ويراد به أهله، قيل وهم أهل بيت لوط، والإسلام: الانقياد والاستسلام لأمر الله سبحانه، فكل مؤمن مسلم، ومن ذلك قوله - قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا - وقد أوضح الفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الإسلام والإيمان في الحديث في الصحيحين وغيرهما الثابت من طرق أنه سئل عن الإسلام فقال " أن تشهد أن لا إله إلا الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت وتصوم رمضان " وسئل عن الإيمان فقال " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره " فالمرجع في الفرق بينهما هو هذا الذي قاله الصادق المصدوق، ولا التفات إلى غيره مما قاله أهل العلم في رسم كل واحد منهما برسوم مضطربة مختلفة مختلة متناقضة، وأما ما في الكتاب العزيز من اختلاف مواضع استعمال الإسلام والإيمان فذلك باعتبار المعاني اللغوية والاستعمالات العربية، والواجب تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية، والحقيقة الشرعية هي هذه التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجاب سؤال السائل له عن ذلك بها (وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم) أي وتركنا في تلك القرى علامة ودلالة تدل على ما أصابهم من العذاب، كل من يخاف عذاب الله ويخشاه من أهل ذلك الزمان ومن بعدهم، وهذه الآية هي آثار العذاب في تلك القرى، فإنها ظاهرة بينة، وقيل هي الحجارة التي رجموا بها، وإنما خص الذين يخافون العذاب الأليم لأنهم الذين يتعظون بالمواعظ ويتفكرون في الآيات دون غيرهم ممن لا يخاف ذلك وهم المشركون المكذبون بالبعث والوعد والوعيد.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عباس في قوله (في صرة) قال: في صيحة (فصكت وجهها) قال: لطمت. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) قال: لوط وابنتيه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا ثلاثة عشر.
سورة الذاريات (38 - 60)