وقال الأخفش: المعنى أنها معطشة للبشر، وأنشد:
سقتني على لوح من الماء شربة * سقاها به الله الرهام الغواديا والمراد بالبشر إما جلدة الإنسان الظاهرة كما قاله الأكثر، أو المراد به أهل النار من الإنس كما قال الأخفش (عليها تسعة عشر) قال المفسرون: يقول على النار تسعة عشر من الملائكة هم خزنتها، وقيل تسعة عشر صنفا من أصناف الملائكة، وقيل تسعة عشر صفا من صفوفهم، وقيل تسعة عشر نقيبا مع كل نقيب جماعة من الملائكة، والأول أولى. قال الثعلبي: ولا ينكر هذا، فإذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن أن يكونوا تسعة عشر على عذاب بعض الخلق. قرأ الجمهور " تسعة عشر " بفتح الشين من عشر. وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع وطلحة بن سليمان بإسكانها.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: إن أول ما نزل من القرآن (يا أيها المدثر) فقال له يحيى بن أبي كثير: يقولون إن أول ما نزل - اقرأ باسم ربك الذي خلق - فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله عن ذلك، قلت له مثل ما قلت، فقال جابر: لا أحدثنك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فحثيت منه رعبا، فرجعت فقلت دثروني فدثروني، فنزلت (يا أيها المدثر قم فأنذر) إلى قوله (والرجز فاهجر) " وسيأتي في سورة اقرأ ما يدل على أنها أول سورة أنزلت، والجمع ممكن. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس (يا أيها المدثر) فقال: دثر هذا الأمر، فقم به. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه (يا أيها المدثر) قال: النائم (وثيابك فطهر) قال: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب باطل (والرجز فاهجر) قال: الأصنام (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تعط تلتمس بها أفضل منها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا (وثيابك فطهر) قال: من الإثم. قال: وهي في كلام العرب نقي الثياب. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا (وثيابك فطهر قال: من الغدر، لا تكن غدارا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وابن مردويه عن عكرمة عنه أيضا أنه سئل عن قوله (وثيابك فطهر) قال: لا تلبسها على غدرة، ثم قال: ألا تسمعون قول غيلان بن سلمة:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر * لبست ولا من غدرة أتقنع * وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عنه أيضا (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تعط الرجل عطاء رجاء أن يعطيك أكثر منه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا (فإذا نقر في الناقور) قال: الصور (يوم عسير) قال: شديد. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا (ذرني ومن خلقت وحيدا) قال الوليد بن المغيرة. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عنه أيضا: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له، وأنك كاره له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا بقصيدة