سورة هو الآية (103 - 108) المراد بالآيات التوراة، والسلطان المبين: المعجزات، وقيل المراد بالآيات هي التسع المذكورة في غير هذا الموضع، والسلطان المبين: العصا، وهي وإن كانت من التسع لكنها لما كانت أبهرها أفردت بالذكر، وقيل المراد بالآيات ما يفيد الظن، والسلطان المبين ما يفيد القطع بما جاء به موسى، وقيل هما جميعا عبارة عن شئ واحد: أي أرسلناه بما يجمع وصف كونه آية، وكونه سلطانا مبينا، وقيل إن السلطان المبين: ما أورده موسى على فرعون في المحاورة بينهما (إلى فرعون وملائه) أي أرسلناه بذلك إلى هؤلاء. وقد تقدم أن الملأ أشراف القوم، وإنما خصهم بالذكر دون سائر القوم، لأنهم أتباع لهم في الإصدار والإيراد، وخص هؤلاء الملأ دون فرعون بقوله (فاتبعوا أمر فرعون) أي أمره لهم بالكفر، لأن حال فرعون في الكفر أمر واضح، إذ كفر قومه من الأشراف وغيرهم إنما هو مستند إلى كفره، ويجوز أن يراد بأمر فرعون شأنه وطريقته فيعم الكفر وغيره (وما أمر فرعون برشيد) أي ليس فيه رشد قط، بل هو غي وضلال، والرشيد بمعنى المرشد، والإسناد مجازي، أو بمعنى ذي رشد، وفيه تعريض بأن الرشد في أمر موسى (يقدم قومه يوم القيامة) من قدمه بمعنى تقدمه: أي يصير متقدما لهم يوم القيامة سابقا لهم إلى عذاب النار كما كان يتقدمهم في الدنيا (فأوردهم النار) أي إنه لا يزال متقدما لهم وهم يتبعونه حتى يوردهم النار، وعبر بالماضي تنبيها على تحقق وقوعه، ثم ذم الورد الذي أوردهم إليه، فقال (وبئس الورد المورود) لأن الوارد إلى الماء الذي يقول له الورد، إنما يرده ليطفئ حر العطش، ويذهب ظمأه، والنار على ضد ذلك، ثم ذمهم بعد ذم المكان الذي يردونه، فقال (وأتبعوا في هذه لعنة) أي أتبع قوم فرعون مطلقا، أو الملأ خاصة، أو هم وفرعون في هذه الدنيا لعنة عظيمة: أي طردا وإبعادا (ويوم القيامة) أي وأتبعوا لعنة يوم القيامة يلعنهم أهل المحشر جميعا، ثم إنه جعل اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم، فقال (بئس الرفد المرفود). قال الكسائي وأبو عبيدة: رفدته أرفده رفدا: أمنته وأعطيته، واسم العطية الرفد: أي بئس العطاء، والإعانة ما أعطوهم إياه، وأعانوهم به، والمخصوص بالذم محذوف: أي رفدهم، وهو اللعنة التي أتبعوها في الدنيا والآخرة كأنها لعنة بعد لعنة تمد الأخرى الأولى وتؤبدها. وذكر الماوردي حكاية عن الأصمعي أن الرفد بالفتح: القدح، وبالكسر: ما فيه من الشراب فكأنه ذم ما يستقونه في النار، وهذا أنسب بالمقام، وقيل إن الرفد الزيادة: أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق، وهو الزيادة قاله الكلبي، والإشارة بقوله (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك) أي ما قصه الله سبحانه في هذه السورة من أخبار الأمم السالفة وما فعلوه مع أنبيائهم: أي
(٥٢٣)