مناداة ولا مخالفة، وأي مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة، فالاستثناء الأول يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من خروج العصاة من هذه الأمة من النار، والاستثناء الثاني يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم، وذلك لتأخر خلودهم إليها مقدار المدة التي لبثوا فيها في النار، وقد قال بهذا من أهل العلم من قدمنا ذكره، وبه قال ابن عباس حبر الأمة. وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، فإلى أين يا محمود، أتدري ما صنعت، وفي أي واد وقعت، وعلى أي جنب سقطت؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيديك القصيرة ورجلك العرجاء، أما كان لك في مكسري رسول طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري، فيالله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه.
سورة هود الآية (109 - 115) لما فرغ الله سبحانه من أقاصيص الكفرة وبيان حال السعداء والأشقياء، سلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بشرح أحوال الكفرة من قومه في ضمن النهي له عن الامتراء في أن ما يعبدونه غير نافع ولا ضار ولا تأثير له في شئ. وحذف النون في " لا تك " لكثرة الاستعمال، والمرية: الشك، والإشارة بهؤلاء إلى كفار عصره صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل المعنى: لا تك في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء، وقيل لا تك في شك من سوء عاقبتهم.
ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني، وهذا النهي له صلى الله عليه وآله وسلم هو تعريض لغيره ممن يداخله شئ من الشك، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يشك في ذلك أبدا. ثم بين له سبحانه أن معبودات هؤلاء كمعبودات آبائهم، أو أن عبادتهم كعبادة آبائهم من قبل، وفي هذا استثناء تعليل للنهي عن الشك. والمعنى:
أنهم سواء في الشرك بالله وعبادة غيره، فلا يكن في صدرك حرج مما تراه من قومك، فهم كمن قبلهم من طوائف الشرك وجاء بالمضارع في كما يعبد آباؤهم لاستحضار الصورة، ثم بين له أنه مجازيهم بأعمالهم فقال (وإنا لموفوهم نصيبهم) من العذاب كما وفينا آباءهم لا ينقص من ذلك شئ، وانتصاب غير الحال. والتوفية لا تستلزم عدم