الذي أرسله إليكم (وراءكم ظهريا) أي منبوذا وراء الظهر لا تبالون به، وقيل المعنى: واتخذتم أمر الله الذي أمرني بإبلاغه إليكم، وهو ما جئتكم به وراء ظهوركم، يقال: جعلت أمره بظهر: إذا قصرت فيه، و (ظهريا) منسوب إلى الظهر، والكسر لتغيير النسب (إن ربي بما تعملون محيط) لا يخفى عليه شئ من أقوالكم وأفعالكم (ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون) لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم، وعدم تأثير الموعظة فيهم توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم، يقال مكن مكانة: إذا تمكن أبلغ تمكن، وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدر الله له، ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله (سوف تعلمون) أي عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده. وقد تقدم مثله في الأنعام (من يأتيه عذاب يخزيه) من في محل نصب بتعلمون: أي سوف تعلمون من هو الذي يأتيه العذاب المخزي الذي يتأثر عنه الذل والفضيحة والعار (ومن هو كاذب) معطوف على من يأتيه، والمعنى: ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب؟ وفيه تعريض بكذبهم في قولهم: " لولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز "، وقيل إن من مبتدأ وما بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير: من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره. قال الفراء: إنما جاء بهو في " من هو كاذب " لأنهم لا يقولون من قائم: إنما يقولون من قام، ومن يقوم، ومن القائم، فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل. قال النحاس: ويدل على خلاف هذا قول الشاعر:
من رسولي إلى الثريا فإني * ضقت ذرعا بهجرها والكتاب (وارتقبوا إني معكم رقيب) أي انتظروا إني معكم منتظر لما يقضي به الله بيننا (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه) أي لما جاء عذابنا أو أمرنا بعذابهم نجينا شعيبا وأتباعه الذين آمنوا به (برحمة منا) لهم بسبب إيمانهم، أو برحمة منا لهم: وهي هدايتهم للإيمان (وأخذت الذين ظلموا) غيرهم بما أخذوا من أموالهم بغير وجه وظلموا أنفسهم بالتصميم على الكفر (الصيحة) التي صاح بهم جبرائيل حتى خرجت أرواحهم من أجسادهم، وفي الأعراف - فأخذتهم الرجفة - وكذا في العنكبوت. وقد قدمنا أن الرجفة الزلزلة، وأنها تكون تابعة للصيحة لتموج الهوى المفضى إليها (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) أي ميتين. وقد تقدم تفسيره وتفسير (كأن لم يغنوا فيها) قريبا، وكذا تفسير (ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ (كما بعدت ثمود) بضم العين. قال المهدوي: من ضم العين من بعدت فهي لغة يستعمل في الخير والشر، وبعدت بالكسر على قراءة الجمهور يستعمل في الشر خاصة، وهي هنا بمعنى اللعنة.
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (إني أراكم بخير) قال: رخص السعر (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) قال: غلاء السعر. وأخرج ابن جرير عنه (بقية الله) قال: رزق الله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة (بقية الله خير لكم) يقول: حظكم من ربكم خير لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: طاعة الله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله (أصلواتك تأمرك) قال: أقراءتك. وأخرج ابن عساكر عن الأحنف: أن شعيبا كان أكثر الأنبياء صلاة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) قال: نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا: إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا أحرقناها، وإن شئنا طرحناها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن