وانكشاف خلافها. قوله (يقول الذين آمنوا) قرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وأهل الكوفة بإثبات الواو، وقرأ الباقون بحذفها، فعلى القراءة الأولى مع رفع يقول يكون كلاما مبتدأ مسوقا لبيان ما وقع من هذه الطائفة، وعلى قراءة النصب يكون عطفا على (فيصبحوا) وقيل على (يأتي) والأولى أولى، لأن هذا القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة الكافرين لا عند إتيان الفتح، وقيل هو معطوف على الفتح كقول الشاعر:
* للبس عباءة وتقر عيني * وأما على قراءة حذف الواو فالجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والإشارة بقوله (أهؤلاء) إلى المنافقين: أي يقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم) بالمناصرة يا والمعاضدة في القتال، أو يقول بعض المؤمنين لبعض مشيرين إلى المنافقين، وهذه الجملة مفسرة للقول. وجهد الأيمان: أغلظها، وهو منصوب على المصدر أو على الحال. أي أقسموا بالله جاهدين. قوله (حبطت أعمالهم) أي بطلت وهو من تمام قول المؤمنين أو جملة مستأنفة والقائل الله سبحانه. والأعمال هي التي عملوها في الموالاة أو كل عمل يعملونه. قوله (يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم) قرأ أهل المدينة والشام يرتدد بدالين بفك الإدغام، وهي لغة تميم، وقرأ غيرهم بالإدغام. وهذا شروع في بيان أحكام المرتدين بعد بيان أن موالاة الكافرين من المسلم كفر، وذلك نوع من أنواع الردة. والمراد بالقوم الذين وعد الله سبحانه بالإتيان بهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجيشه من الصحابة والتابعين الذين قاتل بهم أهل الردة، ثم كل من جاء بعدهم من المقاتلين للمرتدين في جميع الزمن، ثم وصف سبحانه هؤلاء القوم بهذه الأوصاف العظيمة المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء من كونهم يحبون الله وهو يحبهم، ومن كونهم (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) والأذلة: جمع ذليل لا ذلول، والأعزة: جمع عزيز:
أي يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين، ويجمعون بين المجاهدة في سبيل الله وعدم خوف الملامة في الدين، بل هم متصلبون لولا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان من الإزراء بأهل الدين وقلب محاسنهم مساوئ ومناقبهم مثالب حسدا وبغضا وكراهة للحق وأهله، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من الصفات التي اختصهم الله بها، والفضل: اللطف والإحسان. قوله (إنما وليكم الله) لما فرغ سبحانه من بيان من لا تحل موالاته بين من هو الولي الذي تجب موالاته، ومحل (الذين يقيمون الصلاة) الرفع على أنه صفة للذين آمنوا أو بدل منه أو النصب على المدح. وقوله (وهم راكعون) جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله. والمراد بالركوع: الخشوع والخضوع: أي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون لا يتكبرون، وقيل هو حال من فاعل الزكاة. والمراد بالركوع هو المعنى المذكور: أي يضعون الزكاة في مواضعها غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم، وقيل المراد بالركوع على المعنى الثاني:
ركوع الصلاة، ويدفعه عدم جواز إخراج الزكاة في تلك الحال، ثم وعد سبحانه من يتولى الله ورسوله والذين آمنوا بأنهم الغالبون لعدوهم، وهو من وضع الظاهر موضع المضمر، ووضع حزب الله موضع ضمير الموالين لله ولرسوله وللمؤمنين. والحزب: الصنف من الناس، من قولهم حزبه كذا: أي نابه، فكأن المتحزبين مجتمعون كاجتماع أهل النائبة التي تنوب، وحزب الرجل: أصحابه، والحزب: الورد. وفى الحديث " فمن فاته حزبه من الليل " وتحزبوا: اجتمعوا. والأحزاب: الطوائف. وقد وقع، ولله الحمد ما وعد الله به أولياءه وأولياء رسله وأولياء عباده المؤمنين من الغلب لعدوهم، فإنهم غلبوا اليهود بالسبي والقتل والإجلاء وضرب