لكل من يتصف بالإيمان أعم من أن يكون ظاهرا وباطنا أو ظاهر فقط. فيدخل المسلم والمنافق، ويؤيد هذا قوله (فترى الذين في قلوبهم مرض) والاعتبار بعموم اللفظ، وسيأتي في بيان سبب نزول الآية ما يتضح به المراد.
والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادفة والمعاشرة والمناصرة. وقوله (بعضهم أولياء بعض) تعليل للنهي، والمعنى: أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم، وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى، وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق - وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ - وقيل المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعداوة ما جاء به وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادين. ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلة بما هو كالنتيجة لها فقال (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) أي فإنه من جملتهم وفى عدادهم وهو وعيد شديد فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية. وقوله (إن الله لا يهدى القوم الظالمين) تعليل للجملة التي قبلها: أي أن وقوعهم في الكفر هو بسبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين. قوله (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم) الفاء للسببية، والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو لكل من يصلح له: أي ما ارتكبوه من الموالاة ووقعوا فيه من الكفر هو بسبب ما في قلوبهم من مرض النفاق. وقوله (يسارعون) في محل نصب إما على أنه المفعول الثاني إذا كانت الرؤية قلبية أو على أنه حال إذا كانت بصرية، وجعل المسارعة في موالاتهم مسارعة فيهم للمبالغة في بيان رغوبهم في ذلك حتى كأنهم مستقرون فيهم داخلون في عدادهم. وقد قرئ فيرى بالتحتية. واختلف في فاعله ما هو؟
فقيل هو الله عز وجل، وقيل هو كل ما تصح منه الرؤيا، وقيل هو الموصول ومفعوله (يسارعون فيهم) على حذف أن المصدرية: أي فيرى القوم الذين في قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم، فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله: * ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغا * والمرض في القلوب: هو النفاق والشك في الدين. وقوله (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) جملة مشتملة على تعليل المسارعة في الموالاة: أي أن هذه الخشية هي الحاملة لهم على المسارعة، وقيل إن الجملة حال من ضمير يسارعون. والدائرة: ما تدور من مكاره الدهر: أي نخشى أن تظفر الكفار بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فتكون الدولة لهم وتبطل دولته فيصيبنا منهم مكروه، ومنه قول الشاعر:
يرد عنك القدر المقدورا * ودائرات الدهر أن تدورا أي دولات الدهر الدائرة من قوم إلى قوم. وقوله (فعسى الله أن يأتي بالفتح) رد عليهم ودفع لما وقع لهم من الخشية، وعسى في كلام الله وعد صادق لا يتخلف. والفتح: ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الكافرين، ومنه ما وقع من قتل مقاتلة بني قريظة، وسبي ذراريهم، وإجلاء بني النضير، وقيل هو فتح بلاد المشركين على المسلمين، وقيل فتح مكة. والمراد بالأمر من عنده سبحانه هو كل ما تندفع به صولة اليهود ومن معهم وتنكسر به شوكتهم، وقيل هو إظهار أمر المنافقين وإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أسروا في أنفسهم وأمره بقتلهم، وقيل هو الجزية التي جعلها الله عليهم، وقيل الخصب والسعة للمسلمين فيصبح المنافقون (على ما أسروا في أنفسهم) من النفاق الحامل لهم على الموالاة (نادمين) على ذلك لبطلان الأسباب التي تخيلوها