فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغنى من جوع، بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة، فرحم الله عالما قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أعظم ما افترضه الله عليه وأوجب ما أوجب عليه النهوض به. اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يخافون فيك لومة لائم، وأعنا على ذلك وقونا عليه ويسره لنا وانصرنا على من تعدى حدودك وظلم عبادك إنه لا ناصر لنا سواك ولا مستعان غيرك يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا) إلى قوله (والله أعلم بما كانوا يكتمون). وأخرج البيهقي؟ في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا) قال: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة، قالت اليهود والنصارى: قد قاموا لا قاموا، فإذا رأوهم ركعوا وسجدوا استهزءوا بهم وضحكوا منهم. قال:
وكان رجل من اليهود تاجرا إذا سمع المنادى ينادى بالأذان قال: أحرق الله الكاذب، قال: فبينما هو كذلك إذ دخلت جاريته بشعلة من نار، فطارت شرارة منها في البيت فأحرقته، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى قال: كان رجل من النصارى فذكر نحو قصة الرجل اليهودي. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفر من اليهود، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أو من بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتى موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به، فأنزل الله فيهم (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا) إلى قوله (فاسقون). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) قال: مسخت من يهود. وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك أنه قيل له: كانت القردة والخنازير قبل أن يمسخوا؟ قال نعم، وكانوا مما خلق من الأمم. وأخرج مسلم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القردة والخنازير هما مما مسخ الله، فقال: إن الله لم يهلك قوما، أو قال: لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وإذا جاءوكم قالوا آمنا) الآية، قال أناس من اليهود: كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر، فكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير عن السدى في الآية قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهودا، يقول دخلوا كفارا وخرجوا كفارا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله (وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان) قال:
هؤلاء اليهود (لبئس ما كانوا يعملون) إلى قوله (لبئس ما كانوا يصنعون) قال: يصنعون ويعملون واحد، قال لهؤلاء حين لم ينتهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) قال: فهل لا ينهاهم الربانيون والأحبار، وهم الفقهاء والعلماء. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار)