من بشر. وقوله (من لعنه الله) خبر لمبتدأ محذوف مع تقدير مضاف محذوف: أي هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله، ويجوز أن يكون في محل جر بدلا من شر. قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) أي مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود، فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة وكفار مائدة عيسى منهم خنازير. قوله (وعبد الطاغوت) قرأ حمزة بضم الباء من عبد وكسر التاء من (الطاغوت) أي جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت. والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت، لأن فعل من صيغ المبالغة، كحذر وفطن للتبليغ في الحذر والفطنة. وقرأ الباقون بفتح الباء من (عبد) وفتح التاء من (الطاغوت) على أنه فعل ماض معطوف على فعل ماض وهو غضب ولعن، كأنه قيل: ومن عبد الطاغوت، أو معطوف على القردة والخنازير:
أي جعل منهم القردة والخنازير وجعل منهم عبد الطاغوت حملا على لفظ من. وقرأ أبي وابن مسعود (وعبدوا الطاغوت) حملا على معناها. وقرأ ابن عباس (وعبد) بضم العين والباء كأنه جمع عبد، كما يقال: سقف وسقف.
ويجوز أن يكون جمع عبيد كرغيف ورغف، أو جمع عابد كبازل وبزل. وقرأ أبو واقد " وعباد " جمع عابد للمبالغة، كعامل وعمال. وقرأ البصريون وعباد جمع عابد أيضا، كقائم وقيام، ويجوز أن يكون جمع عبد. وقرأ أبو جعفر الرقاشي وعبد الطاغوت على البناء للمفعول، والتقدير وعبد الطاغوت فيهم. وقرأ عون العقيلي وابن بريدة وعابد الطاغوت على التوحيد. وروى عن ابن مسعود وأبى أنهما قرآ (وعبدة الطاغوت) وقرأ عبيد بن عمير (وأعبد الطاغوت) مثل كلب وأكلب. وقرئ (وعبد الطاغوت) عطفا على الموصول بناء على تقدير مضاف محذوف، وهي قراءة ضعيفة جدا، والطاغوت: الشيطان أو الكهنة أو غيرهما مما قد تقدم مستوفى.
قوله (أولئك شر مكانا) الإشارة إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة، وجعلت الشرارة للمكان، وهي لأهله للمبالغة، ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا. قوله (وأضل عن سواء السبيل) معطوف على شر، أي هم أضل من غيرهم عن الطريق المستقيم، والتفضيل في الموضعين للزيادة مطلقا أو لكونهم أشر وأضل مما يشاركهم في أصل الشرارة والضلال. قوله (وإذا جاءوكم قالوا آمنا) أي إذا جاءوكم أظهروا الإسلام. قوله (وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) جملتان حاليتان: أي جاءوكم حال كونهم قد دخلوا عندك متلبسين بالكفر وخرجوا من عندك متلبسين به لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك، بل خرجوا كما دخلوا (والله أعلم بما كانوا يكتمون) عندك من الكفر، وفيه وعيد شديد، وهؤلاء هم المنافقون، وقيل هم اليهود الذين قالوا - آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره -. قوله (وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يصلح له، والضمير في (منهم) عائد إلى المنافقين أو اليهود أو إلى الطائفتين جميعا (ويسارعون في الإثم) في محل نصب على الحال على أن الرؤية بصرية أو هو مفعول ثان لترى على أنها قلبية، والمسارعة: المبادرة، والإثم: الكذب أو الشرك أو الحرام، والعدوان: الظلم المتعدى إلى الغير أو مجاوزة الحد في الذنوب، والسحت: الحرام، فعلى قول من فسر الإثم بالحرام يكون تكريره للمبالغة، والربانيون علماء النصارى، والأحبار: علماء اليهود، وقيل الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم، ثم وبخ علماءهم في تركهم لنهيهم فقال (لبئس ما كانوا يصنعون) وهذا فيه زيادة على قوله (لبئس ما كانوا يعملون) لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه، ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جود عامله عمله فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل. فوبخ سبحانه الخاصة. وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعل المعاصي. فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم ويفرجوا لها عن قلوبهم، فإنها قد جاءت بما