لا يعرف مقداره عمقا أو طولا أو عرضا. وقد قدر أئمة الفقه أرش كل جراحة بمقادير معلومة، وليس هذا موضع بيان كلامهم، ولا موضع استيفاء بيان ما ورد له أرش مقدر. قوله (فمن تصدق به فهو كفارة له) أي من تصدق من المستحقين للقصاص بالقصاص، بأن عفا عن الجاني فهو كفارة للمتصدق يكفر الله عنه بها ذنوبه.
وقيل إن المعنى: فهو كفارة للجارح فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة لأن العفو يقوم مقام أخذ الحق منه. والأول أرجح، لأن الضمير يعود على هذا التفسير الآخر إلى غير مذكور. قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ضمير الفصل مع اسم الإشارة وتعريف الخبر يستفاد منها أن هذا الظلم الصادر منهم ظلم عظيم بالغ إلى الغاية. قوله (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم) هذا شروع في بيان حكم الإنجيل بعد بيان حكم التوراة: أي جعلنا عيسى ابن مريم يقفوا آثارهم: أي آثار النبيين الذين أسلموا من بني إسرائيل، يقال قفيته مثل عقبته: إذا أتبعته، ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به فيتعدى إلى الثاني بالباء، والمفعول الأول محذوف استغناء عنه بالظرف، وهو على آثارهم لأنه إذا قفي به على أثره فقد قفي به إياه، وانتصاب (مصدقا) على الحال من عيسى (وآتيناه الإنجيل) عطف على قفينا، ومحل الجملة أعني (فيه هدى) النصب على الحال من الإنجيل (ونور) عطف على هدى.
وقوله (ومصدقا) معطوف على محل (فيه هدى) أي أن الإنجيل أوتيه عيسى حال كونه مشتملا على الهدى والنور ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وقيل إن مصدقا معطوف على مصدقا الأول فيكون حالا من عيسى مؤكدا للحال الأول ومقررا له. والأول أولى لأن التأسيس خير من التأكيد. قوله (وهدى وموعظة للمتقين) عطف على مصدقا داخل تحت حكمه منضما إليه: أي مصدقا وهاديا وواعظا للمتقين. قوله (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) هذا أمر لأهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه، فإنه قبل البعثة المحمدية حق، وأما بعدها فقد أمروا في غير موضع بأن يعملوا بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الناسخ لكل الكتب المنزلة. وقرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل من يحكم على أن اللام لام كي، وقرأ الباقون بالجزم على أن اللام للأمر.
فعلى القراءة الأولى تكون اللام متعلقة بقوله: وآتيناه الإنجيل ليحكم أهله بما أنزل الله فيه، وعلى القراءة الثانية هو كلام مستأنف. قال مكي: والاختيار الجزم، لأن الجماعة عليه، ولأن ما بعده من الوعيد والتهديد يدل على أنه إلزام من الله لأهل الإنجيل. وقال النحاس: والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأن الله سبحانه لم ينزل كتابا إلا ليعمل بما فيه. قوله (وأنزلنا إليك الكتاب) خطاب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، والكتاب القرآن والتعريف للعهد. و (بالحق) متعلق بمحذوف وقع حالا: أي متلبسا بالحق، وقيل هو حال من فاعل أنزلنا، وقيل من ضمير النبي صلى الله عليه وآله وسلم و (مصدقا لما بين يديه) حال من الكتاب، والتعريف في الكتاب أعني قوله (مصدقا لما بين يديه من الكتاب) للجنس: أي أنزلنا إليك يا محمد القرآن حال كونه متلبسا بالحق وحال كونه مصدقا لما بين يديه من كتب الله المنزلة لكونه مشتملا على الدعوة إلى الله والأمر بالخير والنهي عن الشر، كما اشتمل عليه قوله (ومهيمنا عليه) عطف على مصدقا، والضمير في عليه عائد إلى الكتاب الذي صدقه القرآن وهيمن عليه. والمهيمن الرقيب، وقيل الغالب المرتفع، وقيل الشاهد: وقيل الحافظ، وقيل المؤتمن.
قال المبرد: أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء، كما قيل في أرقت الماء هرقت، وبه قال الزجاج وأبو علي الفارسي.
وقال الجوهري: هو من أمن غيره من الخوف، وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين قلبت الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء، كما قالوا هراق الماء وأراقه، يقال هيمن على الشئ يهيمن: إذا كان له حافظا، فهو له مهيمن كذا عن أبي عبيد. وقرأ مجاهد وابن محيصن " مهيمنا عليه " بفتح الميم، أي هيمن