عليه الله سبحانه. والمعنى على قراءة الجمهور: أن القرآن صار شاهدا بصحة الكتب المنزلة ومقررا لما فيها مما لم ينسخ وناسخا لما خالفه منها، ورقيبا عليها وحافظا لما فيها من أصول الشرائع، وغالبا لها لكونه المرجع في المحكم منها، والمنسوخ، ومؤتمنا عليها لكونه مشتملا على ما هو معمول به منها وما هو متروك - قوله (فاحكم بينهم بما أنزل الله) أي بما أنزله إليك في القرآن لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده في جميع الكتب السابقة عليه (ولا تتبع أهواءهم) أي أهواء أهل الملل السابقة. وقوله (عما جاءك من الحق) متعلق بلا تتبع على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف (عما جاءك من الحق) متبعا لأهوائهم، وقيل متعلق بمحذوف: أي لا تتبع أهواءهم عادلا أو منحرفا عن الحق. وفيه النهي له صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يتبع أهوية أهل الكتاب ويعدل عن الحق الذي أنزله الله عليه، فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه وما أدركوا عليه سلفهم وإن كان باطلا منسوخا أو محرفا عن الحكم الذي أنزله الله على الأنبياء، كما وقع في الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله. قوله (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) الشرعة والشريعة في الأصل: الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى الماء، ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الدين. والمنهاج: الطريقة الواضحة البينة. وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الشريعة: ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستمر. ومعنى الآية: أنه جعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله وهذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقرآن وأما بعده فلا شرعة ولا منهاج إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قوله (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) بشريعة واحدة وكتاب واحد ورسول واحد (ولكن ليبلوكم) أي ولكن لم يشأ ذلك الاتحاد، بل شاء الابتلاء لكم باختلاف الشرائع، فيكون (ليبلوكم) متعلقا بمحذوف دل عليه سياق الكلام وهو ما ذكرنا، ومعنى (فيما آتاكم) فيما أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والرسل هل تعملون بذلك وتذعنون له، أو تتركونه وتخالفون ما اقتضته مشيئة الله وحكمته، وتميلون إلى الهوى وتشترون الضلالة بالهدى. وفيه دليل على أن اختلاف الشرائع هو لهذه العلة. أعني الابتلاء والامتحان لا لكون مصالح العباد مختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص. قوله (فاستبقوا الخيرات) أي إذا كانت المشيئة قد قضت باختلاف الشرائع فاستبقوا إلى فعل ما أمرتم بفعله وترك ما أمرتم بتركه. والاستباق: المسارعة (إلى الله مرجعكم جميعا) لا إلى غيره وهذه الجملة كالعلة لما قبلها. قوله (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) عطف على الكتاب: أي أنزلنا عليك الكتاب والحكم بما فيه. وقد استدل بهذا على نسخ التخيير المتقدم في قوله - أو أعرض عنهم - وقد تقدم تفسير - ولا تتبع أهواءهم -. قوله (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) أي يضلوك عنه ويصرفوك بسبب أهوائهم التي يريدون منك أن تعمل عليها وتؤثرها (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) أي إن أعرضوا عن قبول حكمك بما أنزل الله عليك فذلك لما أراده الله من تعذيبهم ببعض ذنوبهم وهو ذنب التولي عنك والإعراض عما جئت به (وإن كثيرا من الناس لفاسقون) متمردون عن قبول الحق خارجون عن الإنصاف. قوله (أفحكم الجاهلية يبغون) الاستفهام للإنكار والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدر كما في نظائره.
والمعنى: أيعرضون عن حكمك بما أنزل الله عليك ويتولون عنه ويبتغون حكم الجاهلية، والاستفهام في (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) للإنكار أيضا: أي لا أحسن من حكم الله عند أهل اليقين لا عند أهل الجهل والأهواء.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس (كتبنا عليهم فيها) في التوراة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه، قال: كتب عليهم هذا في التوراة، وكانوا يقتلون الحر بالعبد فيقولون كتب علينا أن النفس بالنفس.