يتوعدون كفار زمانهم بأيام مشتملة على أنواع العذاب، وهم يكذبونهم ويصممون على الكفر حتى ينزل الله عليهم عذابه ويحل بهم انتقامه، ثم قال (قل) يا محمد لهؤلاء الكفار المعاصرين لك (فانتظروا) أي تربصوا لوعد ربكم إني معكم من المتربصين لوعد ربي، وفي هذا تهديد شديد، ووعيد بالغ بأنه سينزل بهؤلاء ما نزل بأولئك من الإهلاك، وثم في قوله (ثم ننجي رسلنا) للعطف على مقدر يدل عليه ما قبله كأنه قيل أهلكنا الأمم ثم نجينا رسلنا المرسلين إليهم. وقرأ يعقوب ثم " ننجي " مخففا. وقرأ كذلك أيضا في (حقا علينا ننج المؤمنين). وروى كذلك عن الكسائي وحفص في الثانية. وقرأ الباقون بالتشديد، وهما لغتان فصيحتان: أنجى ينجي إنجاء، ونجى ينجى تنجية بمعنى واحد (والذين آمنوا) معطوف على رسلنا: أي نجيناهم ونجينا الذين آمنوا، والتعبير بلفظ الفعل المستقبل لاستحضار صورة الحال الماضية تهويلا لأمرها (كذلك حقا علينا) أي حق ذلك علينا حقا، أو إنجاء مثل ذلك الانجاء حقا (ننج المؤمنين) من عذابنا للكفار، والمراد بالمؤمنين: الجنس، فيدخل في ذلك الرسل وأتباعهم، أو يكون خاصا بالمؤمنين وهم أتباع الرسل، لأن الرسل داخلون في ذلك بالأولى. قوله (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني) أمر سبحانه رسوله بأن يظهر التباين بين طريقته وطريقة المشركين مخاطبا لجميع الناس، أو للكفار منهم، أو لأهل مكة على الخصوص بقوله: إن كنتم في شك من ديني الذي أنا عليه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، ولم تعلموا بحقيقته ولا عرفتم صحته، وأنه الدين الحق الذي لا دين غيره، فاعلموا أني برئ من أديانكم التي أنتم عليها (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) في حال من الأحوال (ولكن أعبد الله الذين يتوفاكم) أي أخصه بالعبادة لا أعبد غيره من معبوداتكم من الأصنام وغيرها، وخص صفة المتوفى من بين الصفات لما في ذلك من التهديد لهم: أي أعبد الله الذي يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد، ولكونه يدل على الخلق أولا، وعلى الإعادة ثانيا، ولكونه أشد الأحوال مهابة في القلوب، ولكونه قد تقدم ذكر الإهلاك والوقائع النازلة بالكفار من الأمم السابقة، فكأنه قال: أعبد الله الذي وعدني بإهلاككم. ولما ذكر أنه لا يعبد إلا الله بين أنه مأمور بالإيمان فقال (وأمرت أن أكون من المؤمنين) أي بأن أكون من جنس من آمن بالله وأخلص له الدين، وجملة (وأن أقم وجهك للدين) معطوفة على جملة (أن أكون من المؤمنين) ولا يمنع من ذلك كون المعطوف بصيغة الأمر لأن المقصود من " أن " الدلالة على المصدر، وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية، أو يكون المعطوف عليه في معنى الإنشاء، كأنه قيل: كن مؤمنا ثم أقم، والمعنى: أن الله سبحانه أمره بالاستقامة في الدين والثبات فيه، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال. وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء، أو أمره باستقبال القبلة في الصلاة وعدم التحول عنها. وحنيفا حال من الدين، أو من الوجه: أي مائلا عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام، ثم أكد الأمر المتقدم للنهي عن ضده فقال (ولا تكونن من المشركين) وهو معطوف على أقم، وهو من باب التعريض لغيره صلى الله عليه وآله وسلم. قوله (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) معطوف على - قل يا أيها الناس - غير داخل تحت الأمر، وقيل معطوف على " ولا تكونن " أي لا تدع من دون الله على حال من الأحوال ما لا ينفعك ولا يضرك بشئ من النفع والضر إن دعوته، ودعاء من كان هكذا لا يجلب نفعا، ولا يقدر على ضر ضائع لا يفعله عاقل على تقدير أنه لا يوجد من يقدر على النفع والضر غيره، فكيف إذا كان موجودا؟
فإن العدول عن دعاء القادر إلى دعاء غير القادر أقبح وأقبح (فإن فعلت) أي فإن دعوت، ولكنه كنى عن القول بالفعل (فإنك إذا من الظالمين) هذا جزاء الشرط: أي فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم، والمقصود من هذا الخطاب التعريض بغيره صلى الله عليه وآله وسلم، وجملة (وإن