خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى. قوله (وليزيدن كثيرا منهم) الخ، اللام هي لام القسم: أي ليزيدن كثيرا من اليهود والنصارى ما أنزل إليك من القرآن المشتمل على هذه الأحكام الحسنة (طغيانا وكفرا) أي طغيانا إلى طغيانهم وكفرا إلى كفرهم. قوله (وألقينا بينهم) أي بين اليهود (العداوة والبغضاء) أو بين اليهود والنصارى.
قوله (كلما أوقدوا نار للحرب أطفأها الله) أي كلما جمعوا للحرب جمعا وأعدوا له عدة شتت الله جمعهم، وذهب بريحهم فلم يظفروا بطائل ولا عادوا بفائدة، بل لا يحصلون من ذلك إلا على الغلب لهم، وهكذا لا يزالون يهيجون الحروب ويجمعون عليها، ثم يبطل الله ذلك، والآية مشتملة عل استعارة بليغة، وأسلوب بديع (ويسعون في الأرض فسادا) أي يجتهدون في فعل ما فيه فساد، ومن أعظمه ما يريدونه من إبطال الإسلام وكيد أهله، وقيل المراد بالنار هنا الغضب: أي كلما أثاروا في أنفسهم غضبا أطفأه الله بما جعله من الرعب في صدورهم والذلة والمسكنة المضروبتين عليهم. قوله (والله لا يحب المفسدين) إن كانت اللام للجنس فهم داخلون في ذلك دخولا أوليا، وإن كانت للعهد فوضع الظاهر موضع المضمر لبيان شدة فسادهم وكونهم لا ينفكون عنه. قوله (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) أي لو أن المتمسكين بالكتاب، وهم اليهود والنصارى، على أن التعريف للجنس (آمنوا) الإيمان الذي طلبه الله منهم، ومن أهمه الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما أمروا بذلك في كتب الله المنزلة عليهم (واتقوا) المعاصي التي من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله والجحود لما جاء به رسول الله (لكفرنا عنهم سيئاتهم) التي اقترفوها، وإن كانت كثيرة متنوعة، وقيل المعنى: لوسعنا عليهم في أرزاقهم (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) أي أقاموا ما فيهما من الأحكام التي من جملتها الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قوله (وما أنزل الله إليهم من ربهم) من سائر كتب الله التي من جملتها القرآن فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم فهي في حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسر أسباب الرزق لهم وكثرتها وتعدد أنواعها. قوله (منهم أمة مقتصدة) جواب سؤال مقدر، كأنه قيل هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة، أو البعض منهم دون البعض، والمقتصدون منهم هم المؤمنون كعبد الله بن سلام ومن تبعه وطائفة من النصارى (وكثير منهم ساء ما يعملون) وهم المصرون على الكفر المتمردون عن إجابة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإيمان بما جاء به.
وقد أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله (وقالت اليهود يد الله مغلولة) الآية. وأخرج أبو الشيخ عنه أنها نزلت في فنحاص اليهودي. وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وقالت اليهود يد الله مغلولة) أي بخيلة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) قال: حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (كلما أوقدوا نارا للحرب) قال: حرب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في الآية:
كلما أجمعوا أمرهم على شئ فرقه الله وأطفأ حدهم ونارهم وقذف في قلوبهم الرعب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) قال: آمنوا بما أنزل على محمد واتقوا ما حرم الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (ولو