(قل) يا محمد (قتال فيه) أي: في الشهر الحرام (كبير) أي: ذنب عظيم. ثم استأنفه وقال: (وصد عن سبيل الله وكفر به) أي: والصد عن سبيل الله، والكفر بالله (والمسجد الحرام) أي: والصد عن المسجد الحرام. وعلى القول الآخر معناه: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام، وعند المسجد الحرام.
وقيل: معناه والكفر والمسجد الحرام، عن الجبائي، فحمله عن الباء في قوله (وكفر به). (وإخراج أهله) يعني أهل المسجد، وهم المسلمون و (منه) أي:
من المسجد (أكبر) أي: أعظم وزرا (عند الله) يعني إخراجهم المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة. والظاهر يدل على أن القتال في الشهر الحرام كان محرما لقوله: (قل قتال فيه كبير) وذلك لا يقال إلا فيما هو محرم محظور. وقيل: إن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " عقل ابن الحضرمي.
وقوله: (والفتنة أكبر من القتل) معناه الفتنة في الدين وهو الكفر، أعظم من القتل في الشهر الحرام، يعني قتل ابن الحضرمي. وقال قتادة وغيره: إن تحريم القتال في الشهر الحرام، وعند المسجد الحرام، منسوخ بقوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) وبقوله: (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). وقال عطاء: هو باق على التحريم. وعندنا: إنه باق على التحريم فيمن يرى لهذه الأشهر حرمة، ولا يبتدئون فيها بالقتال، وكذلك في الحرم، وإنما أباح الله تعالى للنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " قتال أهل مكة عام الفتح، فقال " صلى الله عليه وآله وسلم ": " إن الله أحلها لي في هذه الساعة، ولا يحلها لأحد من بعدي إلى يوم القيامة ".
ومن لا يرى منهم حرمة الحرم، وحرمة هذه الأشهر، جاز قتاله في وقت كان.
والتحريم منسوخ في حقه. وقوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم) يعني أهل مكة يقاتلونكم يا معشر المسلمين (حتى يردوكم عن دينكم) أي: يصرفوكم عن دين الاسلام، ويلجؤوكم إلى الإرتداد (إن استطاعوا) أي: إن قدروا على ذلك (ومن يرتدد منكم عن دينه) هذا تحذير عن الإرتداد ببيان استحقاق العذاب عليه (فيمت وهو كافر) يعني مات على كفره (فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) معناه: إنها صارت بمنزلة ما لم يكن لإيقاعهم إياها على خلاف التوجه المأمور به، لأن إحباط العلم وإبطاله، عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب. وليس المراد أنهم استحقوا على أعمالهم الثواب، ثم انحبط، لأنه قد دل