جاء نا بهذه الآية - ولولاه لم ندر ما البيع المباح من المحرم البتة - هو الذي أخبرنا أنه لا بيع أصلا إلا بعد التفرق عن موضعهما أو النخيير، فصح يقينا أن قول الله تعالى:
(وأشهدوا إذا تبايعتم) إنما هو أمر بالاشهاد بعد التفرق أو التخيير الذي لا بيع بينهما أصلا الا بعد أحدهما وان رغمت أنوف المخالفين؟ ثم موهوا بايراد أخبار ثابتة وغير ثابتة مثل قوله عليه السلام: (إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه) والقول فيه كالقول في الآية سواء سواء لأنه لا بيع بينهما إلا بعد التفرق أو التخيير والا فلم يبتع المبتاع أصلا ولا باع البائع البتة، ومثل من باع عبدا وله مال فما له للبائع ومثل من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، ومثل النهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان، وإذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع، وأخبار كثيرة جاء فيها ذكر البيع والقول فيها كلها كما قلنا آنفا ان كل هذه الأحكام إنما وردت في البيع والذي أمر بما صح منها هو الذي أخبر وحكم وقال: إنه لا بيع بين المتبايعين ما كانا معا ولم يتفرقا أو خيرا أحدهما الآخر فتبا لمن عصاه، والعجب أن أكثر هذه الأخبار هم مخالفون لما في نصوصها فلم يقنعوا بذلك حتى أضافوا إلى ذلك غرور من أحسن الظن في أن أوهموهم ما ليس فيها منه شئ أصلا، ولا فرق بينهم في احتجاجهم بكل ما ذكرنا في ابطال السنة الثابتة من أن لا بيع بين المتبايعين الا بعد التفرق بالأبدان أو التخيير وبين من احتج بها في إباحة كل بيع لم يذكر فيها من الربا. والغرر. والحصاة. والملامسة. والمنابذة وغير ذلك بل هو كله عمل واحد نعوذ بالله منه، ومن عجائبهم احتجاجهم في هذا بالخبر الثابت من أنه لا يجزى ولد والد إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه * قال أبو محمد: ولولا أن القوم مستكثرون من الباطل. والخديعة في الاسلام لمن اغتر بهم لم يخف عليهم هذا التطويل بلا معنى ونعم الخبر صحيح وما اشترى قط أباه من لم يفارق بائعه ببدنه ولا خيره بعد العقد ولا ملكه قط بل هو في ملك بائعه كما كان حتى يخيره المبتاع أو يفارقه ببدنه فحينئذ يعتق عليه والا فلا بنص حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم * وذكروا أيضا (المسلمون عند شروطهم) وهذا خبر مكذوب لأنه إنما رواه كثير بن زيد وهو ساقط ومن هو دونه. أو مرسل عن عطاء، ثم لو صح لكان حجة لنا عليهم لان شروط المسلمين ليست كل شرط بلا خلاف بل إنما هي الشروط المأمور بها أو المباحة بأسمائها في القرآن. وصحيح السنن، ولو كان ما أوهموا به لكان شرط الزنا. و القيادة. وشرب الخمر. والربا شروطا لوازم وحاش لله من هذا الضلال، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب