كما قال تعالى: (فبلغن أجلهن) إنما أراد تقاربن بلوغ أجلهن، وقال آخرون منهم:
إنما أراد بقوله عليه السلام: (ما لم يتفرقا) إنما هو ما بين قول أحدهما قد بعتك سلعتي هذه بدينار فهو بالخيار ما لم يقل له الآخر قد قبلت ذلك وبين قوله لصاحبه قد ابتعت سلعتك هذه بدينار فهو بالخيار ما لم يقل له الآخر: قد بعتكها بما قلت، وقال آخرون: إنما هو ما بين قول القائل بعني سلعتك بدينار فهو بالخيار ما لم يقل له الآخر: قد فعلت وبين قول القائل اشتر منى سلعتي هذه بدينار فله الخيار ما لم يقل له الآخر قد فعلت * فجواب هذه الأقوال كلها واضح مختصر وهو أن يقال: كذب قائل هذا وأفك وأثم لأنه حرف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواضعه بلا برهان أصلا لكن مطارفة ومجاهرة بالدعوى الباطل، فمن أين لكم هذه الأقوال؟ ومن أخبركم بان هذا هو مراده عليه السلام؟ وأما قولكم:
كما سمى الذبيح ولم يذبح فما سماه الله تعالى قط ذبيحا ولا صح ذلك أيضا قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هكذا فإنما هو قول مطلق عامي لا حجة فيه وإنما أطلق ذلك من أطلق مسامحة أو لأنه حمل الخليل عليه السلام السكين على حلقه وهذا فعل يسمى من فاعله ذبحا وما نبالي عن هذه التسمية لأنها لم يأت بها قط قرآن. ولا سنة فلا يقوم بها حجة في شئ أصلا * وأما قوله تعالى: (فبلغن أجلهن) فصدق الله تعالى وكذب من قال: إنه تعالى أراد المقاربة حاش لله من هذا، ولو كان ما ظنوه لكان الامساك والرجعة لا يجوز إلا في قرب بلوغ الأجل لا قبل ذلك وهذا باطل بلا خلاف. وتأويل الآية موافق لظاهرها بلا كذب ولا تزيد وإنما أراد تعالى بلا شك بلوغ المطلقات أجل العدة بكونهن فيها من دخولهن إياها إلى اثر الطلاق إلى خروجهن عنها وهذه المدة كلها للزوج فيها الرجعة والأسماك بلا خلاف أو التمادي على حكم الطلاق، وحتى لو صح لهم ما أطلقوا فيه الباطل لكان لا متعلق لهم به لأنه ليس (1) إذا وجد كلام قد صرف عن ظاهره بدليل وجب أن يصرف كل كلام عن ظاهره بلا دليل، وفى هذا افساد التفاهم والمعقول والشريعة كلها، فكيف ورواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام قال: (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا) فاضح لهذا الكذب كله ومبطل لتخصيص بعض من يقع عليه اسم بيع من سائر من يقع عليه هذا الاسم، وقالوا: هذا التفريق المذكور في الحديث هو مثل التفريق المذكور في قوله تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) فقلنا: نعم بلا شك وذلك التفرق المذكور في الآية تفرق بالقول يقتضى التفرق بالأبدان ولابد، والتفرق المذكور في الحديث كذلك أيضا تفرق بالقول يقتضى التفرق