وترك الأجل يفسد السلم عندهم ويصحح البيوع التي يقع فيها الربا حتى لا تصح إلا به فكيف والمعنى فيما راموا الفرق بينه واحد؟ وهو أن المتصارفين لم يملكا شيئا ولا تبايعا أصلا قبل التقابض، وكل متبايعين فلم يتم بينهما بيع أصلا قبل التفرق أو التخيير متصارفين كانا أو غير متصارفين، فان تفرق كل من ذكرنا بأبدانهم قبل ما يتم به البيع فمن كان قد عقد عقدا أبيح له تم له بالتفرق ومن كان لم يعقد عقدا أبيح له فليس ههنا شئ يتم له بالتفرق، وقالوا أيضا متعقبين لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم رادين عليه: المتبايعان إنما يكونان متبايعين ما داما في حال العقد لا بعد ذلك كالمتضاربين والمتقاتلين (1)، فمن المحال أن يكونا متبايعين متفاسخين معا * قال أبو محمد: وهذا كلام من لا عقل له. ولا علم. ولا دين. ولا حياء لأنه سفسطة باردة ونعم فان المتبايعين لا يكونان متبايعين إلا في حين تعاقدهما لكن عقدهما بذلك ليس بشئ ولا يتم الا بالتفرق أو التخيير بعد العقد كما أمر من لا يحرم دم أحد الا باتباعه أو بجزية يغرمها إن كان كتابيا وهو صاغر * ومن طريف نوادرهم احتجاجهم في معارضة هذا الخبر بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله) قالوا:
فالاستقالة لا تكون إلا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك * قال على: قبل كل شئ فهذا حديث لا يصح ولسنا ممن يحتج لنفسه بما لا يصح وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك ولو صح لكان موافقا لقولنا إلا في المنع من المفارقة خوف الاستقالة فقط فلسنا نقول به لان الخبر المذكور لا يصح ولو صح لقلنا بما فيه من تحريم المفارقة على هذه النية وليست الاستقالة المذكورة في هذا الخبر ما ظن هؤلاء الجهال وإنما هي فسخ النادم منهما للبيع رضى الآخر أم كره لان العرب تقول استقلت من علتي واستقلت ما فات عنى إذا استدركه، والبرهان على صحة قولنا هذا وعلى فساد تأويلهم وكذبه هو أن المفارقة بالأبدان لا تمنع من الاستقالة التي حملوا الخبر عليها بل هي (2) ممكنة ابدا ولو بعد عشرات أعوام فكان الخبر على هذا لا معنى له ولا حقيقة ولا فائدة، فصح أنها الاستقالة التي تمنع منها المفارقة بلا شك وهي التفرق بالأبدان الموجب للبيع المانع من فسخه ولابد لا يمكن غير هذا ولا يحتمل لفظ الخبر معنى سواه البتة، فصار هذا الخبر ثقلا عليهم على ثقل لأنهم صححوه وخالفوا ما فيه وأبا حوا له مفارقته خشي أن يستقيله أو لم يخش * قال على: هذا كل ما موهوا به وكله عائد عليهم ومبدى تخاذل علمهم (3) وقلة فهمهم