بالأبدان ولابد وأنتم تقولون: إن التفرق المراعى فيما يحرم به الصرف أو يصح إنما هو تفرق الأبدان فهلا قلتم عن هذا ههنا: ان التفرق المذكور في هذا الخبر هو أيضا تفرق الأبدان لولا التحكم البارد حيث تهوون، وموهوا بقول الله تعالى: (إلا أن تكونن تجارة عن تراض منكم) فأباح تعالى الاكل بعد التراضي قالوا: وهذا دليل على صحة الملك بالعقد * قال أبو محمد: الذي أتانا بهذه الآية هو الذي من عنده ندري ما هي التجارة المباحة لنا مما حرم علينا وما هو التراضي الناقل للملك من التراضي الذي لا ينقل الملك؟ ولولاه لم نعرف شيئا من ذلك، وهو الذي أخبرنا أن العقد ليس بيعا ولا هو تجارة ولا هو تراضيا ولا ينقل ملكا إلا حتى يستضيف إليه التفرق عن موضعهما أو التخيير فهذا هو البيع.
والتجارة. والتراضي لا ما ظنه أهل الجهل بآرائهم بلا برهان لكن بالدعوى الفاسدة، واحتجوا بقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وهذا حق الا أن الذي أمرنا بهذا على لسان نبيه هو تعالى الآمر لرسوله عليه السلام أن يخبر نا أنه لا يصح هذا العقد ولا يتم ولا يكون عقدا إلا بالتفرق عن موضعهما أو بأن يخير أحدهما الآخر بعد التعاقد وإلا فلا يلزم الوفاء بذلك العقد وهم مجمعون معنا على أنه لا يلزم أحدا الوفاء بكل عقد عقده بل أكثر العقود حرام الوفاء بها كمن عقد على نفسه أن يزني أو أن يشرب الخمر نعم وأكثر العقود لا يلزم الوفاء به عندهم وعندنا كمن عقد أن يشترى أو أن يبيع أو أن يغنى أو أن يزفن (1) أو أن ينشد شعرا، فصح يقينا أنه لا يلزم الوفاء بعقد أصلا إلا عقدا أتى النص بالوفاء به (2) باسمه وعينه وهم يقولون - يعنى الحنيفيين - أن من بايع آخر شيئا غائبا وتعاقدا اسقاط خيار الرؤية انه عقد لا يلزم والمالكيون يقولون: من ابتاع ثمرة واشترط أن لا يقوم بجائحة وعقد ذلك على نفسه فإنه عقد لا يلزمه فأين احتجاجهم بقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود)؟ فان قالوا: هذه عقود قامت الأدلة على أنه لا يلزم الوفاء بها قلنا: وعقد البيع عقد قد قام البرهان حقا على أنه لا يلزم الوفاء به إلا بعد التفرق بالأبدان أو بعد التخيير بخلاف الأدلة الفاسدة التي خصصتم بها ما خصصتم من العقود المذكورة، وموهوا أيضا بقول الله تعالى: (واشهدوا إذا تبايعتم) وان الحياء القليل في وجه من احتج بهذه الآية في هذا المكان لوجوه، أو لها أنهم أول مخالف لهذه الآية فيما وردت فيه من وجوب الاشهاد فكيف يستحلون الاحتجاج بأنهم قد عصوا الله تعالى فيها وخالفوها ولم يروها حجة في وجوب الاشهاد في البيع؟ والثاني أنه ليس في الآية نص ولا دليل على بطلان التفرق المذكور في الخبر ولاذكر منه أصلا * والثالث أن نص الآية إنما هو ايجاب الاشهاد إذا تبايعنا والذي