ربه تعالى عليه حاش لله من هذا، ان هذا لهو الضلال المبين الذي يكذبه الله تعالى إذ يقول: (تبيانا لكل شئ) * (ولتبين للناس ما نزل إليهم) وقد تبين الرشد من الغى والدين كله رشد وخلاف كل شئ منه غي، فلو لم يتبين كل ذلك لكان الله تعالى كذبا والرسول عليه السلام لم يبين ولم يبلغ (1) والدين ذاهبا فاسدا، وهذا هو الكفر المحض ممن أجاز كونه * والوجه الثالث أنهم يقولون: ان الراوي من الصحابة أعلم بما روى. وابن عمر هو راوي هذا الخبر وهو الذي كان لا يرى البيع يتم إلا بالتفرق بالأبدان فهو على أصلهم أعلم بما روى، وسقط على أصلهم هذا تعلقهم بهذا الخبر جملة والحمد لله رب العالمين، وقال بعضهم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ومن الغرر أن يكون لهما خيار لا يدريان متى ينقطع * قال أبو محمد: وهذا كلام فاسد من وجوه * أحدها أن العقد قبل التفرق بالأبدان.
أو التخيير ليس بيعا أصلا لا بيع غرر ولا بيع سلامة كما قال عليه السلام: (أنه لا بيع بينهما ما كان معا) فهو غير داخل في بيع الغرر المنهى عنه * والوجه الثاني انه ليس كما قالوا:
من أن لهما خيارا لا يدريان متى ينقطع بل أيهما شاء قطعه قطعه في الوقت بأن يخير صاحبه فاما يمضيه فيتم البيع وينقطع الخيار واما يفسخه فيبطل حكم العقد (2) وتماديه. أو بأن يقوم فيفارق صاحبه كما كان يفعل ابن عمر، فظهر برد هذا الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي السخيف. والعقل الهجين * والوجه الثالث أنه لا يكون غررا شئ أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يأمر بما نهى عنه معا حاش له من ذلك وإنما الغرر ما أجازه هؤلاء بآرائهم الفاسدة من بيعهم اللبن الذي لم يخلق في ضروع الغنم شهرا أو شهرين. وبيع الجزر المغيب في الأرض الذي لم يره انسى ولاعرف صفته ولا أهو جزر أم هو معفون مسوس لا خير فيه. وبيع أحد ثوبين لا يدرى أيهما هو المشتري. والمقاثى التي لم تخلق. والغائب الذي لم يوصف ولا عرف فهذا هو الغرر المحرم المفسوخ الباطل حقا، فان ذكروا ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم عن أيوب بن عتبة اليمامي عن أبي كثير السحيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا من بيعهما أو يكون بيعهما بخيار) * قال أبو محمد: وهذا عجب جدا لأنه عليهم لو صح، والتفرق من البيع لا يكون إلا بأحد أمرين لا ثالث لهما إما بتفرق الأبدان فيتم البيع حينئذ ويتفرقان منه حينئذ لا قبل ذلك وإما أن يتفرقا منه بفسخه وإبطاله لا يمكن غير هذا، فكيف وأيوب بن عتبة ضعيف لا نرضى الاحتجاج بروايته أصلا وإن كانت لنا، وأتى بعضهم بطامة تدل على رقة دينه.