ونحن إن شاء الله تعالى نذكر ما هو أقوى شبهة لهم ونبين جسم التعلق به لمن عسى أن يفعل ذلك وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق البخاري قال: وقال الحميدي عن سفيان بن عيينة نا عمرو عن ابن عمر [رضي الله عنهما قال]: (1) (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمرو يرده [ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده] فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: بعنيه قال: هو لك يا رسول الله قال: بعنيه فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [النبي صلى الله عليه وسلم]: هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت) قالوا: فهذا بيع صحيح لا تفرق فيه وهبة لما ابتاع عليه السلام قبل التفرق بلا شك * قال أبو محمد: هذا خبر لا حجة لهم فيه لوجوه * أو لها أنه وان لم يكن فيه تفرق فقد يكون فيه التخيير بعد العقد وليس السكوت عنه بمانع من كونه لان صحة البيع تقتضيه ولابد ولم يذكر في هذا الخبر ثمن أيضا فينبغي لهم أن يجيزوا البيع بغير ذكر ثمن أصلا لأنه لم يذكر فيه ثمن، فان قالوا: لابد من الثمن بلا شك لان البيع لا يصح الا به قلنا: ولابد من التفرق أو التخيير لان البيع لا يكون بيعا ولا يصح أصلا إلا بأحدهما ولا فرق بينهم في احتجاجهم بهذا الخبر في اسقاط حكم ما لم يذكر فيه من التخيير بعد العقد وبين من احتج به في البيع بالمحرمات لأنه لم يذكر فيه ثمن أصلا وهذه أهبة لما ابتيع قبل القبض بخلاف رأى الحنيفيين فهو حجة عليهم، وكذلك القول في الاشهاد سواء سواء * والوجه الثاني أنه (2) حتى لو صح لهم أنه لم يكن في هذا البيع تخيير ولا إشهاد أصلا - وهو لا يصح أبدا - فمن لهم أن هذه القصة كانت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر؟ وبعد أمر الله تعالى بالاشهاد، ومن ادعى علم ذلك فهو كذاب أفك يتبوء - إن شاء الله تعالى - مقعده من النار لكذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا الخبر قبل ذلك كله فنحن نقول: إن البيع حينئذ كان يتم بالعقد وان لم يتفرقا ولا خير أحدهما الآخر وان الاشهاد لم يكن لازما وإنما وجب كل ما ذكرنا حين الامر به لا قبل ذلك، وأما نحن فنقطع بان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف أمر ربه تعالى ولا يفعل ما نهى عنه أمته هذا ما لا شك فيه عندنا ومن شك في هذا أو أجاز كونه فهو كافر نتقرب إلى الله تعالى بالبراءة منه، وكذلك نقطع بأنه عليه السلام لو نسخ ما أمرنا به لبينه حتى لا يشك عالم بسنته في أنه قد نسخ ما نسخ وأثبت ما أثبت، ولو جاز غير هذا - وأعوذ بالله - لكان دين الاسلام فاسدا لا يدرى أحد ما يحرم عليه ما يحل له مما أوجب
(٣٦١)