أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فاعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه مرارا - وهو يردد كلامه هذا - ثم أخذها عليه السلام فحذفه (1) بها فلو أنها أصابته لأوجعته [أو لعقرته] (2) وقال عليه السلام: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد فيتكفف الناس (3) خير الصدة ما كان عن ظهر غنى * ومن طريق عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق باسناده نحوه، وفي آخره أنه عليه السلام قال: خذ عنا مالك لا حاجة لنا به (4) * ومن طريق سفيان بن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله ابن سعد انه سمع أبا سعيد الخدري يقول: دخل رجل المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا فامر له منها بثوبين ثم حث عليه السلام على الصدقة فطرح الرجل أحد الثوبين فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم [وقال] (5) (خذ ثوبك) * ومن طريق حكيم ابن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى (6) * فهذه آثار متواترة متظاهرة بابطال الصدقة بما زاد على ما يبقى غنى وإذا كان الصدقة بما أبقى غنى خيرا وأفضل من الصدقة بما لا يبقى غنى فبالضرورة يدرى كل أحدان صدقته بتلك الزيادة لا أجر له فيها بل حطت من أجره فهي غير مقبولة، وما تيقن انه يحط من الاجرا أو لا أجر فيه من اعطاء المال فلا يحل اعطاؤه فيه لأنه افساد للمال وإضاعة له وسرف حرام، فكيف ورده عليه السلام الصدقة بذلك بيان كاف * فان ذكروا قول الله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وقوله عليه السلام إذ سئل (أي الصدقة أفضل فقال: جهد المقل) (7) وقوله عليه السلام سبق درهم مائة ألف كان لرجل درهمان تصدق بأجودهما (8) وبقوله تعالى (والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم)، وبحديثي أبى مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصدقة فينطلق أحدنا فيتحامل فيجئ بالمد، وصدقة أبى عقيل بصاع تمر (9) فهذا كله صحيح وحجة لنا لا لهم * أما قول الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) فليس فيه انهم لم يبقوا لأنفسهم معاشا إنما فيه انهم كانوا مقلين ويؤثرون من
(١٤)