ما أفسدته من الزرع ليلا دون النهار وهذا قول مالك والشافعي وأكثر فقهاء الحجاز فقال الليث يضمن مالكها ما أفسدته ليلا ونهارا بأقل الامرين من قيمتها لو قدر ما أتلفته كالعبد إذا جنى وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه بحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) يعني هدرا ولأنها أفسدت وليست يده عليها فلم يلزمه الضمان كما لو كان نهارا أو كما لو أتلفت غير الزرع ولنا ما روى مالك عن الزهري عن حزام بن سعد بن محيصة ان ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم. قال ابن عبد البر إن كان هذا مرسلا فهو مشهور حدث به الأئمة الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول، ولان العادة من أهل المواشي ارسالها في النهار للرعي وحفظها ليلا وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون الليل فإذا ذهبت ليلا كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ، وان أتلفت نهارا كان التفريط من أهل الزرع فكان عليهم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى على كل انسان بالحفظ في وقت عادته، وأما غير الزرع فلا يضمن لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة فلا يحتاج إلى حفظها بخلاف الزرع (فصل) قال بعض أصحابنا إنما يضمن مالكها ما أتلفته ليلا إذا كان التفريط منه بارسالها ليلا أو أرسلها نهارا ولم يضمها ليلا أو ضمها بحيث يمكنها الخروج، أما إذا ضمنها فأخرجها غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها فالضمان على مخرجها أو فاتح بابها لأنه المتلف. قال القاضي هذه المسئلة عندي محمولة على موضع فيه مزارع ومراعي. أما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين قراحين كساقية وطريق وطرف زرع فليس لصاحبها ارسالها بغير حافظ عن الزرع فإن فعله فعليه الضمان لتفريطه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي (فصل) وان أتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلا كان أو نهارا ما لم تكن يده عليها، وحكي عن شريح أنه قضى في شاة وقعت في غزل حائك ليلا بالضمان على صاحبها وقرأ شريح (إذا نفشت فيه غنم القوم) قال والنفش لا يكون الا بالليل وعن الثوري يضمن وإن كان نهارا لأنه مفرط بارسالها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) متفق عليه أي هدر، وأما الآية فإن النفش هو الرعي بالليل، فكان هذا في الحرث الذي تفسده البهائم طبعا بالرعي وتدعوها نفسها إلى أكله بخلاف غيره فلا يصح قياس غيره عليه
(٣٥٧)