هرب فقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟) ففي هذا أوضح الدلائل على على له يقبل رجوعه وعن بريدة قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما عند الرابعة رواه أبو داود ولان رجوعه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولان الاقرار إحدى بينتي الحد فيسقط بالرجوع عنه كالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد وفارق سائر الحقوق فإنها لا تدرأ بالشبهات وإنما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هربه لأنه ليس بصريح في الرجوع. إذا ثبت هذا فإنه إذا هرب لم يتبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (هلا تركتموه؟) وان لم يترك وقتل لم يضمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضمن ماعزا من قتله ولان هربه ليس بصريح في رجوعه وان قال ردوني إلى الحاكم وجب رده ولم يجز إتمام الحد فإن أتم فلا ضمان على من أتمه لما ذكرنا في هربه وان رجع عن اقراره وقال كذبت في اقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه فإن قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه لأنه قد زال اقراره بالرجوع عنه فصار كمن لم يقر ولا قصاص على قاتله لأن أهل العلم اختلفوا في صحة رجوعه فكان اختلافهم شبهة دارئة للقصاص ولان صحة الاقرار مما يخفي فيكون ذلك عذرا مانعا من وجوب القصاص.
(١٧٤)