أشار بهذه الآية إلى مسألة من هذا الفصل وهي الأولى وإلى مسألة من الفصل الأول وهي الثانية، كان من أعجب الحكم الإلهية ومن لطيف الفصاحة وغريب البراعة، فعلى هذا لا يكون قوله: واللائي لم يحضن، مشروطا مقيدا بجميع ما قيدت الجملة الأولى به بل يقدر خبر المبتدأ فيه على ما وردت به الأحاديث الصحيحة.
فصل:
في طلاق المستقيمة الحيض:
قال الله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أمر سبحانه بذلك أنه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها وهي ممن تحيض حيضا مستقيما فليطلقها وهي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع وشهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة ولتعتد هي ثلاثة أقراء وهي الأطهار، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد ملكت نفسها ولم يكن له عليها سبيل.
فالقرء الطهر عندنا وبه قال أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء والمفسرين، وأصل القرء في اللغة يحتمل وجهين:
أحدهما: الاجتماع ومنه: قرأت القرآن لاجتماع حروفه، فعلى هذا يقال: أقرأت المرأة إذا حاضت في قول الأصمعي والكسائي، فتأويل ذلك اجتماع الدم في الرحم، ويجئ على هذا الأصل أن يكون القرء الطهر لاجتماع الدم في جملة البدن، هذا قول الزجاج.
والوجه الثاني: أن يكون أصل القرء وقت الفعل الذي يجري على عادة في قول أبي عمرو بن العلاء وقال: هو يصلح للحيض والطهر، يقال: هذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها، فعلى هذا يكون القرء الحيض لأنه وقت اجتماع الدم في الرحم على العادة المعروفة فيه ويكون الطهر لأنه وقت ارتفاعه على عادة جارية فيه.
واستشهد أهل العراق بأشياء على أن المراد الحيض، منها قوله ع في مستحاضة سألته: دعي الصلاة أيام أقرائك، واستشهد أهل المدينة بقوله تعالى:
فطلقوهن لعدتهن، أي طهر لم تجامع فيه كما يقال: جئت لغرة الشهر، وتأوله غيرهم