الواحدة لا تضل عن الشهادة ولا تنسى فقد اتصفت المرأة الواحدة في الشهادة بأخبار الحق عنها بصفة إلهية وهو قول موسى الذي حكي عنه في القرآن لا يضل ربي ولا ينسى ولو لم يكن في شرف التأنيث إلا إطلاق الذات على الله وإطلاق الصفة وكلاهما لفظ التأنيث جبر القلب المرأة الذي يكسره من لا علم له من الرجال بالأمر وقد نهانا الشارع أن نتفكر في ذات الله وما منعنا من الكلام في توحيد الله بل أمر بذلك فقال فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وهو هنا ما يخطر لمن نظر في توحيد الله من طلب ماهيته وحقيقته وهو معرفة ذاته التي ما تعرف وحجر التفكر فيها لعظيم قدرها وعدم المناسبة بينها وبين ما يتوهم أن يكون دليلا عليها فلا يتصورها وهم ولا يقيدها عقل بل لها الجلال والتعظيم بل لا يجوز أن تطلب بما كما طلب فرعون فأخطأ في السؤال ولهذا عدل موسى ع عن جواب سؤاله لأن السؤال إذا كان خطأ لا يلزم الجواب عنه وكان مجلس عامة فلذلك تكلم موسى بما تكلم به ورأى فرعون أنه ما أجابه على حد ما سأل لأنه تخيل أن سؤاله ذلك متوجه وما علم إن ذات الحق تعالى لا تدخل تحت مطلب ما وإنما تدخل تحت مطلب هل وهل سؤال عن وجود المسؤول عنه هل هو متحقق أم لا فقال فرعون وقد علم ما وقع فيه من الجهل إشغالا للحاضرين لئلا يتفطنوا لذلك إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ولولا ما علم الحق فرعون ما أثبت في هذا الكلام أنه أرسله مرسل وأنه ما جاء من نفسه لأنه دعا إلى غيره وكذا نسبه فرعون إلى ما كان عليه موسى فوصفه بأنه مجنون أي مستور عنكم فلا تعرفونه فعرفه موسى بجوابه إياه وما عرفه الحاضرون كما عرفه علماء السحرة وما عرفه الجاهلون بالسحر وبقيت تلك الخميرة عند فرعون يختمر بها عجين طينته وما ظهر حكمها ولا اختمر عجينه إلا في الوقت الذي قال فيه آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وما سمى الله ليرفع اللبس والشك إذ قدم علم الحاضرون أن بني إسرائيل ما آمنت إلا بالإله الذي جاء موسى وهارون من عنده إليهم فلو قال آمنت بالله وهو قد قرر إنه ما علم لقومه من إله غيره لقالوا لنفسه شهد لا للذي أرسل موسى إلينا كما شهد الله لنفسه فرفع هذا اللبس بما قاله وأما تحقيق هذه المسألة فما يعرف ذلك إلا من يعرف مرتبة الطبيعة من الأمر الإلهي فإن المرأة من الرجل بمنزلة الطبيعة من الأمر الإلهي لأن المرأة محل وجود أعيان الأبناء كما إن الطبيعة للأمر الإلهي محل ظهور أعيان الأجسام فيها تكونت وعنها ظهرت فأمر بلا طبيعة لا يكون وطبيعة بلا أمر لا تكون فالكون متوقف على الأمرين ولا تقل إن الله قادر على إيجاد شئ من غير إن ينفعل أمر آخر فإن الله يرد عليك في ذلك بقوله إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فتلك الشيئية العامة لكل شئ خاص وهو الذي وقع فيها الاشتراك هي التي أثبتناها وإن الأمر الإلهي عليها يتوجه لظهور شئ خاص في تلك الشيئية المطلقة فإذا ظهرت الأجسام أو الأجساد ظهرت الصور والأشكال والأعراض وجميع القوي الروحانية والحسية وربما قيل هو المعبر عنه بلسان الشرع العلماء الذي هو للحق قبل خلق الخلق ما تحته هواء وما فوقه هواء فذكره وسماه باسم موجود يقبل الصور والأشكال وقد ذكرنا مرتبة الطبيعة وهي هذه الشيئية المطلقة في كتاب النكاح الأول الذي ظهر عنه العالم أسفله وأعلاه وكل ما سوى الله من كثيف ولطيف ومعقول ومحسوس متصف بالوجود فلا نعرف منها إلا قدر ما يظهر لنا كما لا نعرف من الأسماء الإلهية إلا قدر ما وصل إلينا فمن عرف مرتبة الطبيعة عرف مرتبة المرأة ومن عرف الأمر الإلهي فقد عرف مرتبة الرجل وأن الموجودات مما سوى الله متوقف وجودها على هاتين الحقيقتين غير إن هذه الحقيقة تخفى وتدق بحيث يجهلها أبناؤها من العقول فلا تثبتها في العالم البسيط وتثبتها في العالم المركب وذلك لجهلها بمرتبتها كما جهلت هنا مرتبة المرأة مع تنبيه الشارع على منزلتها بقوله ص إن النساء شقائق الرجال فالأمر بينهما يكون علوا وسفلا ألا ترى التجليات والروحانيات المتجسدة هل تظهر في غير صور طبيعية وإن كانت تلك الأجساد سريعة الاستحالة فلم تخرج عنها وهذا منزل واسع يتسع المجال فيه فلنذكر أمهات ما يتضمنه من المسائل دون التفريع فمنها من أي مقام ينادي المؤمن وهل يختلف النداء باختلاف المنادي أم لا وفي هذا المنزل أيضا علم سبب العداوة بين الله وبين خلقه وهل من شرط العداوة أن توجد من الطرفين أو من الطرف الواحد وهل يعادي أحد من أجل أحد أو لا تكون العداوة إلا من أجل نفسه
(٩٠)