ينقسم إلى قسمين مكان يسمى سماء ومكان يسمى أرضا والمتمكن فيهما ينقسم إلى قسمين إلى متمكن فيه وإلى متمكن عليه فالمتمكن فيه يكون بحيث مكانه والمتمكن عليه لا يكون بحيث مكانه وهذا حصر كل ما سوى الله وكل ذلك أرواح في الحقيقة أجسام وجواهر في الحق المخلوق به وهذه الأرواح على مراتب في التنزيه تسمى مكانة وما من منزه لله تعالى إلا وتنزيهه على قدر مرتبته لأنه لا ينزه خالقه إلا من حيث هو إذ لا يعرف إلا نفسه فيثمر له ذلك التنزيه عند الله مكانة يتميز بها كل موجود عن غيره وهذا المنزل يحتوي على تنزيه الأرواح المتمكنة لا المكانية وسيرد منزل في هذه المنازل نذكر فيه تنزيه المكان والمتمكن معا فكان هذا المنزل يحتوي على نصف العالم من حيث ما هو منزه ثم إن الله تعالى عاد بالمكانة على هذا المنزه بأن كان الحق مجلاه فرأى نفسه ورتبته فسبح على قدر ما رأى فإذا هو نفسه لا غيره وذلك أن الحق أسدل بينه وبين عباده حجاب العزة فوقف التنزيه دونه فعلم إن الحق لا يليق به تنزيه خلقه وأن حجاب العزة أحمى وقهرها أغلب ثم رأى من سواه من العارفين بالله المنزهين بنعوت السلوب على مراتب وقد أقر الجميع منهم بأنهم كانوا غالطين في محل تنزيههم وأن تنزيههم ما خرج عنهم وذلك لحكمته التي سرت في خلقه فكان ذلك تنزيه الحكمة لا غيره ولولا ستر حجاب العزة ما عرفوا ذلك ومن هذا الحجاب ظهر الكفر في العالم وصارت المعرفة خبرا بما وراء هذا الحجاب فظهر الايمان في العالم بين الستر والمؤمن فالكافر الذي هو الساتر أقرب من أجل الكفر فإن الستر يرى المستور به والمستور عنه وهو صفة الكافر والمؤمن دون هذا الستر فمقامه الحجاب قال تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب والايمان متعلقة الخبر والخبر من أقسام الكلام ثم إنه سبحانه أخرج أهل الستر من الغيب إلى الشهادة ليحصل له مقام الجمع بين الحالتين فينزهه باللسانين ويثبت له الصفتين ولم يكن في ظنه ما فعله الحق به بل كان يتخيل أن الغيب لا يكون في موطن شهادة لعلمه أن الغيب منيع الحمى لا يعلم ما فيه فيوصل إليه وإنما مقامه أن يكون مشعورا به من غير تعيين ما هو ذلك المشعور به وغفل عن كون الله يفعل ما يريد وإنه ما في حقه غيب وأن الغيب لا يصح أن يكون إلا إضافيا فلما بدا له من الله ما لم يكن في حسابه علم إن الأمور بيد الله وأنه ما ثم من يستحق حكما لنفسه بل هو الله الذي أعطى كل شئ خلقه ولما علمت الأشياء أنه لا شئ لها من ذاتها وإنها بحسب ما تقتضيه ذات موجدها وأن الأحوال تتجدد عليها بحسب ما تطلبه حقائق من استندت إليه وهو الله تعالى خافت حيث لم تقف على علم الله فيها في المستقبل فتركت جميع ما كانت تعتمد عليه في نفسها لما عند خالقها فسبحته تسبيحا جديدا من خلق جديد وعبرت من النظر إليها إلى النظر إلى من بيده ملكوت كل شئ ولولا هذا المقام الذي أقامها فيه وردها من قريب إليه لناداها من بعيد فكان المدى يطول عليها ويتعرض لها الآفات والصوارف في الطريق فإن المسافر وماله على قلة ثم إن الله لما حصل الأشياء في هذا المقام رفع لها علما من أعلام المعرفة أعطاها ذلك العلم إنها شق وإنها على النصف من الوجود وأن كمال الوجود بها ولولاها ما ظهر الكمال في الوجود والعلم فزهت وعظم شأنها عندها وما عرفت أي قسم صح لها من الوجود ثم ظهر ذلك لها في عبادة الصلاة حيث قسمها الحق نصفين بينه وبين عبده فزادت تيها فلما سمعت آخر الخبر موافقا لحالها الذي لم تشعر به في قوله فنصفها لي ولم يقيد وقال في نصف العبد ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل والسؤال مذلة وفقر وحاجة ومسكنة إلا أن العبد لاح له من خلف هذا الحجاب ما لم يكن يظنه وهو أنه في منزل يكون الحق متأخرا عنه مثل قوله والله من ورائهم محيط وذلك لأنه في حكم الفرار إذا استقبله ما لا يطيق حمله فأخبره الله أنه من ورائه وهو الذي يستقبله فإن فر منه فإليه يفر من حيث لا يشعر كما يكون في منزل آخر أو لا له من قوله ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وقد وصف نفسه بأنه الهادي والهادي هو الذي يكون إمام القوم ليريهم الطريق وهو قوله إن ربي على صراط مستقيم ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان فصارت الأشياء مع الحق عقبة فتقدم تعالى الأشياء ليهديها إلى ما فيه سعادتها وتأخر عنها ليحفظها ممن يغتالها وهو العدم فإن العدم يطلبها كما يطلبها الوجود وهي محل قابل للحكمين ليس في قوتها الامتناع إلا بلطف اللطيف ثم إن الله تعالى لما أطلعها على هذا حصل لها من العلم بجلال الله أسماء تسبحه بها وتحمده وتثني عليه بها لم تكن تعلم ذلك قبل هذا المشهد كما قال ص في المقام المحمود يوم القيامة فأحمده بمحامد لا أعلمها
(٩٢)