إلى الأرواح وحياة أخرى ذاتية للأجسام كلها كحياة الأرواح للأرواح غير إن حياة الأرواح يظهر لها أثر في الأجسام المدبرة بانتشار ضوئها فيها وظهور قواها التي ذكرناها وحياة الأجسام الذاتية لها ليست كذلك فإن الأجسام ما خلقت مدبرة فبحياتها الذاتية التي لا يجوز زوالها عنها فإنها صفة نفسية لها بها تسبح ربها دائما سواء كانت أرواحها فيها أو لم تكن وما تعطيها أرواحها إلا هيأة أخرى عرضية في التسبيح بوجودها خاصة وإذا فارقتها الروح فارقها ذلك الذكر الخاص وهو الكلام المتعارف بيننا المحسوس تسبيحا كان أو غيره فيدرك المكاشف الحياة الذاتية التي في الأجسام كلها وإذا اتفق على أي جسم كان أمر يخرجه عن نظامه مثل كسر آنية أو كسر حجر أو قطع شجر فهو مثل قطع يد إنسان أو رجله يزول عنه حياة الروح المدبر له ويبقى عليه حياته الذاتية له فإنه لكل صورة في العالم روح مدبرة وحياة ذاتية تزول الروح بزوال تلك الصورة كالقتيل وتزول الصورة بزوال ذلك الروح كالميت الذي مات على فراشه ولم تضرب عنقه والحياة الذاتية لكل جوهر فيه غير زائلة وبتلك الحياة الذاتية التي أخذ الله بأبصار بعض الخلق عنها بها تشهد الجلود يوم القيامة على الناس والألسنة والأيدي والأرجل وبها تنطق فخذ الرجل في آخر الزمان فتخبر صاحبها بما فعل أهله وبها تنطق الشجرة في آخر الزمان إذا اختفى خلفها اليهود حين يطلبهم المسلمون للقتل فتقول للمسلم إذا رأته يطلب اليهودي يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله إلا شجرة الغرقد فإنها تستر اليهودي إذا لاذ بها فلعنها رسول الله ص ولا يقال إن الشجرة إنما رأفت مع من استند إليها كما يراه أصحاب الخلق الكريم فلتعلم إن حق الله أحق بالقضاء وتصريف الخلق الكريم مع الله هو الأوجب على كل مؤمن ألا تراه يقول ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله وإنما كانت هذه الحياة في الأشياء ذاتية لأنها عن التجلي الإلهي للموجودات كلها لأنه خلقها لعبادته ومعرفته ولا أحد من خلقه يعرفه إلا أن يتجلى له فيعرفه بنفسه إذ لم يكن في طاقة المخلوق أن يعرف خالقه كما قال الله تعالى وعلمناه من لدنا علما والتجلي دائم أبدا مشاهد لكل الموجودات ظاهر ما عدا الملائكة والإنس والجن فإن التجلي لهم الدائم إنما هو فيما ليس له نطق ظاهر كسائر الجمادات والنبات وأما التجلي لمن أعطى النطق والتعبير عما في نفسه وهم الملائكة والإنس والجن من حيث أرواحهم المدبرة لهم وقواها فإن التجلي لهم من خلف حجاب الغيب فالمعرفة للملائكة بالتعريف الإلهي لا بالتجلي والمعرفة للانس والجن بالنظر والاستدلال والمعرفة لأجسامهم ومن دونهم من المخلوقات بالتجلي الإلهي وذلك لأن سائر المخلوقات فطروا على الكتمان فلم يعطوا عبارة التوصيل وأراد الحق ستر هذا المقام رحمة بالمكلفين إذ سبق في علمه أنهم يكلفون وقد قدر عليهم المعاصي وقدر على بعضهم الاعتراض فيما لم يكن ينبغي لهم كالملائكة حين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وجرى ما جرى في قصة آدم معهم فلهذا وقع الستر عنهم لأنهم لو عصوه بالقضاء والقدر على التجلي والمشاهدة لكان عدم احترام عظيم وعدم حياء وكانت المؤاخذة عظيمة فكانت الرحمة لا تنالهم أبدا فلما عصوه على الستر قامت لهم الحجة في المعذرة ولهذا كانت الغفلة من الرحمة التي جعلها الله لعباده والنسيان ليجدوا بذلك حجة لو اعترض عليهم ويجدون بها عذرا ولهذا ما كلف الله أحدا من خلقه إلا الملائكة والإنس والجن وما عداهم فإن دوام التجلي لهم أعطاهم الحياة الذاتية الدائمة وهم في تسبيحهم مثلنا في أنفاسنا دوام متوال من غير مشقة نجده في تنفسنا بل الأنفاس عين الراحة لنا بل لولاها لمتنا ألا ترى المخنوق إذا حيل بينه وبين خروج نفسه مات ووجد الألم فعلى هذا الحد هو تسبيح كل شئ إن فهمت فالحق على الحقيقة هو مدبر العالم كما قال تعالى يدبر الأمر يفصل الآيات يعني الدلالات على توحيده فيعطي كل خلق دلالة تخصه على توحيد موجدة كما قال القائل وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد وهي هذه الآيات التي يفصلها فيقسمها على خلقه بحسب ما فطرهم الله تعالى عليه فهو سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده فبه يسمع العالم وبه يبصر وبه يتكلم وبه يبطش وبه يسعى إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات كما ورد في الصحيح من الأخبار النبوية الإلهية فإذا تقرب العبد
(٦٧)