حقيقة الممكن بقبولها للوجود حقيقة المحال الذي لا يقبله ولما أوجد الله العالم إنسانا كبيرا وجعل آدم وبنيه مختصر هذا العالم ولهذا أعطاه الأسماء كلها أي كل الأسماء المتوجهة على إيجاد العالم وهي الأسماء الإلهية التي يطلبها العالم بذاته إذ كان وجوده عنها فقال ص إن الله خلق آدم على صورته إذ كانت الأسماء له وعنها وجد العالم فالعالم بجملته إنسان كبير ولما كرمه الله بالصورة طلب العالم والأمثال الشكر من الإنسان على ذلك فكانت العقيقة التي جعل الله على كل إنسان شكرا لما خصه به من الوجود على هذه الحالة وجعلها في سابعه إذ كان على حالة لا تقبل التغذي منها لئلا يكون قد سعى لنفسه فأكلها الأمثال وكل إنسان مرهون بعقيقته وينبغي له إذا عق عن نفسه في كبره إن لا يأكل منها شيئا ويطعمها الناس ولذلك لم يعق العالم بجملته عن نفسه وإن كان على الصورة لأنه ما ثم من يأكل عقيقته فإنه ما ثم إلا الله والعالم والمعق عنه لا يأكل منها والحق يتنزه عن الغذاء والأكل وليست هذه المنزلة إلا لله فكانت عقيقة العالم تعود عبثا فجعل سبحانه بدلا من هذا الشكر الذي هو العقيقة التسبيح بحمده شكرا على ما أولاه من وجوده على صورته فقال وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا فبعنايته الأزلية بنا أعطانا الوجود على الصورة ولم يعطنا السورة التي هي منزلته فإن منزلته الربوبية ومنزلتنا المربوبية ولذلك قلنا إن العالم لا يعق عن نفسه ينسك فإنه لا يأكله والحق لا يكون له ذلك ولا ينبغي له فكانت عقيقته التسبيح بحمده لأن التسبيح ينبغي له ولما كانت طبيعة الممكن قبلت الوجود فظهر في عينه بعد أن لم يكن سماه خلقا مشتقا من الخليقة وهي طبيعة الأمر وحقيقته أي مطبوعا على الصورة وهي خليقته ولما أوجده الله على صورته وأوجده لعبادته فكان ما أوجده عليه خلاف ما أوجده له فقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون وهو ما أشرنا إليه في العقيقة أنه سبحانه لا ينبغي له أن يطعم فاشترك الجن مع الإنس فيما وجد له لا فيما وجد عليه ولما كانت صورة الحق تعطي أن لا تكون مأمورة ولا منهية لعزتها سرت هذه العزة في الإنسان طبعا فعصى ظاهرا وباطنا من حيث صورته لأنه على صورة من لا يقبل الأمر والنهي والجبر ألا ترى إبليس لما لم يكن على الصورة لم يعص باطنا فيقول للإنسان أكفر فإذا كفر يقول إبليس إني أخاف الله رب العالمين وما استكبر إلا ظاهرا على آدم فقال أأسجد لمن خلقت طينا وقال أنا خير منه خلقتني من نار والنار أقرب في الإضاءة النورية إلى النور والنور اسم من أسماء الله والطين ظلمة محضة فقال أنا خير منه أي أقرب إليك من هذا الذي خلقته من طين وجهل إبليس ما فطر الله آدم عليه في إن تولى خلقه بيديه كما لا للصورة الإلهية التي خلق عليها ولم يكن عند إبليس ولا الملائكة من ذلك ذوق فاعترض الكل الملائكة بما قالت وإبليس بما قال فمعصية الإنسان بما خلق عليه وطاعته بما خلق له قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي يتذللوا لعزتي ويعرفوا منزلتي من منزلتهم فطريقة الإنسان العبادة فإنه عبد والعبد مقيد بسيده كما إن السيد مقيد بوجه بعبده فإنه المسود والله غني عن العالمين فلم يلحق الممكن بدرجة المحال فزها عليه بقبوله الوجود الذي هو صفة إلهية ولم يلحق بدرجة الوجود المطلق لأن وجوده مستفاد مقيد فإذا نظر إلى المحال ودرجته وما حصل له من ربه من الوجود ونظر في نفسه قبوله وامتيازه من المحال أدركه الكبرياء فعصى وقال أنا ربكم الأعلى وادعى الألوهة وما ادعاها أحد من الجن وإذا نظر إلى افتقاره إلى واجب الوجود واستفادته الوجود منه ومنته به عليه وجب الشكر عليه فذل وأطاع ربه فطاعته من وجه ما خلق له ومعصيته من وجه ما خلق عليه وشهوده المحال الذي ليس له هذه المرتبة فلو لم يكن المحال رتبة ثالثة ما وجد الممكن على من يزهو فإن الشئ لا يزهو على نفسه والمفتقر لا يزهو على المفتقر إليه فلم يكن يتصور أن تقع معصية من الممكن فانظر ما أعجب ما تعطيه الحقائق من الآثار والحمد لله على إن علمنا ما لم نكن نعلم وفهمنا ما لم نكن نفهم وكان فضل الله علينا عظيما وهذا القدر كاف في هذا الباب ويحتوي هذا المنزل على علم الدعاء وعلم النبوة وعلم خطاب الكل في عين الواحد وعلم الزمان وعلم التقوى وعلم التعدي وعلم البرهان وتركيبه وعلم مكارم الأخلاق وعلم منزلة نفس الإنسان عند الله من غيره وعلم العجز وعلم الايمان وعلم الأنفاس وعلم التوكل وعلم الغيب وعلم الميزان وعلم التقديس وعلم حضرة الشكوك وعلم من تقدس بعد الخبث وعلم التكوين
(٧٤)