وكان حرف وجودي فمعناه إن الملك موجود في الماء أي الماء أصل ظهور عينه فهو للملك كالهيولي ظهر فيه صور العالم الذي هو ملك الله والعالم محصور في أعيان ونسب فالأعيان وجودية والنسب معقولة عدمية وهذا هو كل ما سوى الله ولما كان الماء أصل الحياة وكل شئ حي والنسب تابعة له قرن بين العرش المجعول على الماء وبين خلقه الموت والحياة في الابتلاء فقال وكان عرشه على الماء ليبلوكم أي يختبركم والعرش كما ذكرت لك أعيان موجودة ونسب عدمية وقال خلق الموت والحياة ليبلوكم فالحياة للأعيان والموت للنسب فظهور الروح للجسم حياة ذلك الجسم كظهور الشمس لاستنارة الأجسام التي ظهرت الشمس لها وغيبة الروح عن الجسم زوال الحياة من ذلك الجسم وهو الموت فالاجتماع حياة والفرقة موت والاجتماع والافتراق نسب معقولة لها حكم ظاهر وإن كانت معدومة الأعيان واعلم أن القوي كلها التي في الإنسان وفي كل حيوان مثل قوة الحس وقوة الخيال وقوة الحفظ والقوة المصورة وسائر القوي كلها المنسوبة إلى جميع الأجسام علوا وسفلا إنما هي للروح تكون بوجوده وإعطائه الحياة لذلك الجسم وينعدم فيها ما ينعدم بتوليه عن ذلك الجسم من ذلك الوجه الذي تكون عنه تلك القوة الخاصة فافهم فإذا أعرض الروح عن الجسم بالكلية زال بزواله جميع القوي والحياة وهو المعبر عنه بالموت كالليل بمغيب الشمس وأما بالنوم فليس بإعراض كلي وإنما هي حجب أبخرة تحول بين القوي وبين مدركاتها الحسية مع وجود الحياة في النائم كالشمس إذا حالت السحب بينها وبين موضع خاص من الأرض يكون الضوء موجودا كالحياة وإن لم يقع إدراك الشمس لذلك الموضع الذي حال بينه وبينها السحاب المتراكم وكما إن الشمس إذا فارقت هذا الموضع من الأرض وجاء الليل بدلا منه ظهرت في موضع آخر بنوره أضاء به ذلك الموضع فكان النهار هنالك كما كان هنا كذلك الروح إذا أعرض عن هذا الجسم الذي كانت حياته به تجلى على صورة من الصور الذي هو البرزخ وهو بالصاد جمع صورة فحييت به تلك الصورة في البرزخ كما قال ص في نسمة المؤمن إنه طير أخضر فذلك الطير كالجسم هنا صورة حييت بهذا الروح الذي كان يحيا به هذا الجسم وكما تطلع الشمس في اليوم الثاني علينا فتستنير الموجودات بنورها كذلك الروح يطلع في يوم الآخرة على هذه الأجسام الميتة فتحيا به فذلك هو النشر والبعث واعلم أن الصور أوجده الله على صورة القرن وسمي بالصور من باب تسمية الشئ باسم الشئ إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب ولما كان هذا القرن محلا لجميع الصور البرزخية التي تنتقل إليها الأرواح بعد الموت وفي النوم فيه سمي صورا جمع صورة وشكل القرن أعلاه واسع وأسفله ضيق على شكل العالم أين سعة العرش من ضيق الأرض وتنتقل القوي مع الروح إلى تلك الصورة البرزخية نوما وموتا ولهذا تكون دراكة بجميع القوي سواء فقد أعلمتك بما هو الأمر عليه ومن هنا زل القائلون بالتناسخ لما رأوا أو سمعوا أن الأنبياء قد نبهت على انتقال الأرواح إلى هذه الصور البرزخية وتكون فيها على صور أخلاقها ورأوا تلك الأخلاق في الحيوانات تخيلوا في قول الأنبياء والرسل والعلماء أن ذلك راجع إلى هذه الحيوانات التي في الدار الدنيا وإنها ترجع إلى التخليص وذكروا ما قد علمت من مذهبهم فأخطئوا في النظر وفي تأويل أقوال الرسل وما جاء في ذلك من الكتب المنزلة ورأوا النائم يقرب من هذا الأمر الذي شرعوا فيه فاستروحوا من ذلك ما ذهبوا إليه فما أتى عليهم إلا من سوء التأويل في القول الصحيح وهذا معنى قوله ليبلوكم أي يختبر عقولكم بالموت والحياة أيكم أحسن عملا بالخوض فيهما والنظر فيرى من يصيب منكم ومن يخطئ كأهل التناسخ وجعل ذلك كله دليلا واضحا ونصبه برهانا قاطعا على اسمه الحي واسمه النور واسمه الظاهر والباطن والأول والآخر ليعلم نسبة العالم من موجدة وأنه غير مستقل بنفسه وأن افتقاره إلى الله افتقار ذاتي لا ينفك عنه طرفة عين وأن النسب دائمة الحكم لبقاء وجود الأعيان وهو العزيز المنيع الحمى عن أن يدركه خلقه أو يحاط بشئ من علمه إلا بما شاء وهو الغفور الذي ستر العقول عن إدراك كنهه أو كنه جلاله واعلم يا ولي نور الله بصيرتك بعد أن تقرر عندك إن حياة الأجسام كلها من حياة الأرواح المدبرة لها وبانفصالها عنها يكون الموت فيزول نظامهما إذ القوي الماسكة لها زالت بزوال الروح المدبر الذي وكله الله بتدبيرها فاعلم إن الحياة في جميع الأشياء حياتان حياة عن سبب وهي الحياة التي ذكرناها ونسبناها
(٦٦)