أحد في أمر ولا تردد فيه وكانت الأمور كلها حتما مقضيا كما إن هذا التردد الذي يجده الناس في نفوسهم حتم مقضي وجوده فيهم إذ كان العالم محفوظا بالحقائق وعدد هذه الأقلام التي يجري على حكم كتابتها الليل والنهار ثلاثمائة قلم وستون قلما على عدد درج الفلك فكل قلم له من الله علم خاص ليس لغيره ومن ذلك القلم ينزل العلم إلى درجة معينة من درجات الفلك فإذا نزل في تلك الدرجة ما نزل من الكواكب التي تقطعها بالسير من الثمانية الأفلاك تأخذ من تلك الدرجة من العلم المودع من ذلك القلم بقدر ما تعطيه قوة روحانية ذلك الكوكب فتحرك بذلك فلكها فيبلغ الأثر إلى الأركان فتقبل من ذلك الأثر بحسب استعداد ذلك الركن ثم يسرى ذلك الأثر من الأركان في المولدات فيحدث فيها ما شاء الله بحسب ما قبلته من الزيادة والنقصان في جسم ذلك المولد أو في قواه وفي روحه وفي علمه وجهله ونسيانه وغفلته وحضوره وتذكره ويقظته كل ذلك بتقدير العزيز العليم وتحدث الأيام بحركة الفلك الكبير ويتعين الليل والنهار في اليوم بحكم الحركة الكبيرة اليومية على حركة فلك الشمس فإنها تحت حوطته وجعل الأرض كثيفة لا تنفذها أنوار الشمس لوجود الليل الذي هو ظل الأرض ولهذا يكبر النهار في أماكن ويصغر وكذلك يكبر الليل ويصغر وبه تقع الزيادة عندنا بالليل والنهار وبهذا الليل والنهار الموجودين في المعمور من الأرض بهما تعد أيام الأفلاك وأيام الرب وكل يوم ذكر وهو قوله تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون يعني من أيامنا هذه المعلومة ونحن نعلم قطعا إن الأماكن التي يكون فيها النهار من ستة أشهر والليل كذلك إن ذلك يوم واحد في حق ذلك الموضع فيوم ذلك الموضع ثلاثمائة يوم وستون يوما مما نعده فقد أنبأتك بمكانة هذه الأقلام التي سمع صوت كتابتها رسول الله ص من العلم الإلهي ومن يمدها وإلى أي حقيقة إلهية مستندها وما أثرها في العالم العلوي من الأملاك والكواكب والأفلاك وما أثرها في العناصر والمولدات وهو كشف عجيب يحوي على أسرار غريبة من أحكام هذه الأقلام تكون جميع التأثيرات في العالم دائما ولا بد لها أن تكتب وتثبت انتثار الكواكب وانحلال هذه الأجرام الفلكية وخراب هذه الدار الدنياوية وانتقال العمارة في حق السعداء إلى الجنان العلية التي أرضها سطح الفلك الثامن وجهنم إلى أسفل سافلين وهي دار الأشقياء وقد ذكرنا ذلك في هذا الكتاب في باب الجنة وفي باب النار وأما القلم الأعلى فأثبت في اللوح المحفوظ كل شئ يجري من هذه الأقلام من محو وإثبات ففي اللوح المحفوظ إثبات المحو في هذه الألواح وإثبات الإثبات ومحو الإثبات عند وقوع الحكم وإنشاء أمر آخر فهو لوح مقدس عن المحو فهو الذي يمده القلم الإلهي باختلاف الأمور وعواقبها مفصلة مسطرة بتقدير العزيز العليم ولقلوب الأولياء من طريق الكشف الإلهي الحقيقي في التمثيل من هذه الأقلام كشف صحيح كما مثلت الجنة لرسول الله ص في عرض الحائط وإنما قلنا إن ذلك الممثل حقيقة مع كونه ممثلا لقول رسول الله ص أرأيتموني حين تقدمت أردت أن أقطف منها قطفا لو أخرجته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ولما مثلت له النار تأخر عن قبلته لئلا يصيبه من لهبها ورأى فيها ابن لحي وصاحب المحجن وصاحبة الهرة وكان ذلك في صلاة كسوف الشمس وقد قال ص إن الله في قبلة المصلي وقد رأى الجنة والنار في قبلته كما إن الحائط في قبلته واعلم أن لله تعالى أسماء تختص بالجنة وأهلها وأن لله تعالى أسماء تختص بالنار وأهلها وأن الحق يناجيه المصلي من حيث أسماؤه لا من حيث ذاته إذ كانت ذاته تتعالى عن الحد والمقدار والتقييد فاعلم بما نبهتك عليه إن رسول الله ص ما زال الحق يناجيه في قبلته وفي صلاته وما أخرجه مشاهدة الجنان والنار ومن فيها وحركته بالتقدم والتأخر عن كونه مصليا ظاهرا وباطنا وإنما أخبر النبي ص بهذا كله في حال الصلاة أعلاما لنا بما يخطر لنا في صلاتنا من مشاهدة أمورنا من بيع وشراء وأخذ وعطاء وتصريف خواطر المصلي في الأكوان المتجلية له في باطنه في حال صلاته وقد قال عمر عن نفسه إنه كان يجهز الجيش وهو في صلاته فكان خبر النبي ص لنا بما شاهده في صلاته إن ذلك لا يقدح في الصلاة المشروعة لنا كما يعتقده بعض عامة الفقهاء ممن لا علم له بالأمور وربما بعض الصالحين يتخيلون أن هذا كله مما يبطل الصلاة ويخرج الإنسان عن الحضور مع الحق ما الأمر على ذلك بل كل ما يشاهده المصلي في صلاته من الأكوان هو حق
(٦٢)