شأن عن شأن ولكن قد وصف نفسه بأنه لا يفعل أمرا حتى يفرع من أمر آخر فقال سنفرغ لكم أيها الثقلان فمن هذه الحقيقة قيل له قف إن ربك يصلي أي لا يجمع بين شغلين يريد بذلك العناية بمحمد ص حيث يقيمه في مقام التفرع له فهو تنبيه على العناية به والله أجل وأعلى في نفوس العارفين به من ذلك فإن الذي ينال الإنسان من المتفرع إليه أعظم وأمكن من الذي يناله ممن ليس له حال التفرع إليه لأن تلك الأمور تجذبه عنه فهذا في حال النبي ع وتشريفه فكان معه في هذا المقام بمنزلة ملك استدعى بعض عبيده ليقربه ويشرفه فلما دخل حضرته وقعد في منزلته طلب أن ينظر إلى الملك في الأمر الذي وجه إليه فيه فقيل له تربص قليلا فإن الملك في خلوته يعزل لك خلعة تشريف يخلعها عليك فما كان شغله عنه إلا به ولذلك فسر له صلاة الله بقوله تعالى هو الذي يصلي عليكم فشرف بأن قيل له إنما غاب عنك من أجلك وفي حقك فلما أدناه تدلى إليه فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى العين أي تجلى له في صورة علمه به فلذلك أنس بمشاهدة من علمه فكان شهود تأنيس في ذلك المقام فقد علمت مما أبنته لك معارج الرسل من معارج الملائكة صلوات الله على الجميع فلهذا المعراج خطاب خاص تعطيه خاصية هذا المعراج لا يكون إلا للرسل فلو عرج عليه الولي لأعطاه هذا المعراج بخاصيته ما عنده وخاصيته ما تنفرد به الرسالة فكان الولي إذا عرج به فيه يكون رسولا وقد أخبر رسول الله ص أن باب الرسالة والنبوة قد أغلق فتبين لك أن هذا المعراج لا سبيل للولي إليه البتة ألا ترى النبي ص في هذا المعراج قد فرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة فهو معراج تشريع وليس للولي ذلك فلما رجع إلى موسى ع قال له راجع ربك يخفف عن أمتك الحديث إلى أن صارت خمسة بالفعل وبقيت خمسين في الأجر والمنزلة عند الله والحديث صحيح في ذلك وفيه طول واعلم أن معارج الأولياء بالهمم وشاركهم الأنبياء في هذا المعراج من كونهم أولياء لا من كونهم أنبياء ولا رسلا فيعرج الولي بهمته وبصيرته على براق عمله ورفرف صدقه معراجا معنويا يناله فيه ما يعطيه خواص الهمم من مراتب الولاية والتشريف فهي ثلاثة معارج متجاورة مختلفة والمعراج الرابع معراج توجهات الأسماء عليهم فتفيض الأسماء الإلهية أنوارها على معارج الملائكة ولكن من أنوار التكاليف والشرائع التي هي الأعمال المقربة إلى السعادة خاصة هذا الذي أريده في هذا الموضع للفرقان بين المعارج فتسطع معارج الملك بذلك النور فينصبغ به الملك كما تنصبغ الحرباء بالمحل الذي تكون فيه ثم يفيض الملك على الرسول أي على معراجه فينصبغ به الرسول في باطنه من حيث روحانيته وهو قوله ع فأعي ما يقول ثم يفيضه الرسول على أتباعه متنوعا خلاف ما أعطاه الملك فإن الملك إنما يخاطب واحدا والرسول يخاطب الأمة والأمة تختلف أحوالها فلا بد للرسول أن يقسم ذلك الوحي على قدر اختلاف الأمة فإنه رزق مقسوم فيتعين لكل ولي قسطه من ذلك الوحي لنفسه ثم يأخذ منه مما لا يقتضيه حاله ليوصله إلى التابع بعده الذي لم يحضر ذلك المجلس وهكذا إلى يوم القيامة وهم الورثة في التبليغ فيعمل على حاله خاصة ويبلغ ما لا يقتضيه حاله فقد تقتضي حاله تحليل ما حرمه على غيره فيكون مضطرا إلى الغذاء في وقت تحريم أكل الميتة على غير المضطر وهو في تلك الحال من التبليغ يأكل الميتة على شهود من المبلغ إليه فيقول له كيف تحرم على تناول ما تناولته أنت فيقول له لأن الحال مختلف فإن حالة الاضطرار لم تحرم عليها الميتة وحالة غير الاضطرار حرمت عليها الميتة فيبلغ ما لا يقتضيه حاله ولا يعمل إلا بما يقتضيه حاله ثم لتعلم إذا رقيت الأولياء في معارج الهمم فغاية وصولها إلى الأسماء الإلهية فإن الأسماء الإلهية تطلبها فإذا وصلت إليها في معارجها أفاضت عليها من العلوم وأنوارها على قدر الاستعداد الذي جاءت به فلا تقبل منها إلا على قدر استعدادها ولا تفتقر في ذلك إلى ملك ولا رسول فإنها ليست علوم تشريع وإنما هي أنوار فهوم فيما أتى به هذا الرسول في وحيه أو في الكتاب الذي نزل عليه أو الصحيفة لا غير وسواء علم ذلك الكتاب أو لم يعلمه ولا سمع بما فيه من التفاصيل ولكن لا يخرج علم هذا الولي عن الذي جاء ذلك الرسول به من الوحي عن الله وكتابه وصحيفته لا بد من ذلك لكل ولي صديق برسوله إلا هذه الأمة فإن لهم من حيث صديقيتهم بكل رسول ونبي العلم والفتح والفيض الإلهي بكل ما يقتضيه وحي كل نبي وصفته وكتابه وصحيفته وبهذا فضلت على كل أمة من الأولياء
(٥٥)