فلتترجم بكلام حسن * لا تكن ممن هذي ثم فشر لا يرى الحق عبيد لم يكن * يبصر المعنى من الحرف نشر فإذا أبصره قام به * ورأى الكون فقيرا فنشر رحمة الله على عالمه * ودعا الخلق إليه وحشر اعلم أيها الولي الحميم أنا روينا في هذا الباب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إن رجلا أصاب من عرضه فجاء إليه يستحله من ذلك فقال له يا ابن عباس إني قد نلت منك فاجعلني في حل من ذلك فقال أعوذ بالله أن أحل ما حرم الله إن الله قد حرم أعراض المسلمين فلا أحلها ولكن غفر الله لك فانظر ما أعجب هذا التصريف وما أحسن العلم ومن هذا الباب حلف الإنسان على ما أبيح له فعله أن لا يفعله أو يفعله ففرض الله تحلة الايمان وهو من باب الاستدراج والمكر الإلهي إلا لمن عصمه الله بالتنبيه عليه فما ثم شارع إلا الله تعالى قال الله تعالى لنبيه ص لتحكم بين الناس بما أراك الله ولم يقل بما رأيت بل عتبة سبحانه وتعالى لما حرم على نفسه باليمين في قضية عائشة وحفصة فقال تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك فكان هذا مما أرته نفسه فهذا يدلك أن قوله تعالى بما أراك الله إنه ما يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه فلو كان الدين بالرأي لكان رأى النبي ص أولى من رأى كل ذي رأى فإذا كان هذا حال النبي ص فيما أرته نفسه فكيف رأى من ليس بمعصوم ومن الخطاء أقرب إليه من الإصابة فدل إن الاجتهاد الذي ذكره رسول الله ص إنما هو طلب الدليل على تعيين الحكم في المسألة الواقعة لا في تشريع حكم في النازلة فإن ذلك شرع لم يأذن به الله ولقد أخبرني القاضي عبد الوهاب الأزدي الإسكندري بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال رأيت رجلا من الصالحين بعد موته في المنام فسألته ما رأيت فذكر أشياء منها قال ولقد رأيت كتبا موضوعة وكتبا مرفوعة فسألت ما هذه الكتب المرفوعة فقيل لي هذه كتب الحديث فقلت وما هذه الكتب الموضوعة فقيل لي هذه كتب الرأي حتى يسأل عنها أصحابها فرأيت الأمر فيه شدة اعلم وفقك الله أن الشريعة هي المحجة البيضاء محجة السعداء وطريق السعادة من مشى عليها نجا ومن تركها هلك قال رسول الله ص لما نزل عليه قوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما خط رسول الله ص في الأرض خط وخطا خطوطا عن جانبي الخط يمينا وشمالا ثم وضع أصبعه على الخط وقال تاليا وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل وأشار إلى تلك الخطوط التي خطها عن يمين الخط ويساره فتفرق بكم عن سبيله وأشار إلى الخط المستقيم ولقد أخبرني بمدينة سلا مدينة بالمغرب على شاطئ البحر المحيط يقال لها منقطع التراب ليس وراءها أرض رجل من الصالحين الأكابر من عامة الناس قال رأيت في النوم محجة بيضاء مستوية عليها نور سهلة ورأيت عن يمين تلك المحجة وشمالها خنادق وشعابا وأودية كلها شوك لا تنسلك لضيقها وتوعر مسالكها وكثرة شوكها والظلمة التي فيها ورأيت جميع الناس يخبطون فيها عشوا ويتركون المحجة البيضاء السهلة وعلى المحجة رسول الله ص ونفر قليل معه يسير وهو ينظر إلى من خلفه وإذا في الجماعة متأخر عنها لكنه عليها الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن قرقور المحدث كان سيدا فاضلا في الحديث اجتمعت بابنه فكان يفهم عن النبي ص أنه يقول له ناد في الناس بالرجوع إلى الطريق فكان ابن قرقور يرفع صوته ويقول في ندائه ولا من داع ولا من مستدع هلموا إلى الطريق هلموا قال فلا يجيبه أحد ولا يرجع إلى الطريق أحد واعلم أنه لما غلبت الأهواء على النفوس وطلبت العلماء المراتب عند الملوك تركوا المحجة البيضاء وجنحوا إلى التأويلات البعيدة ليمشوا أغراض الملوك فيما لهم فيه هوى نفس ليستندوا في ذلك إلى أمر شرعي مع كون الفقيه ربما لا يعتقد ذلك ويفتي به وقد رأينا منهم جماعة على هذا من قضاتهم وفقهائهم ولقد أخبرني الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد وقع بيني وبينه في مثل هذا كلام فنادى بمملوك وقال جئني بالحرمدان فقلت له ما شأن الحرمدان قال أنت تنكر على ما يجري في بلدي ومملكتي من المنكرات والظلم وأنا والله أعتقد مثل ما تعتقد أنت فيه من أن ذلك كله منكر ولكن والله يا سيدي ما منه منكر
(٦٩)