إلا بفتوى فقيه وخط يده عندي بجواز ذلك فعليهم لعنة الله ولقد أفتاني فقيه هو فلان وعين لي أفضل فقيه عنده في بلده في الدين والتقشف بأنه لا يجب على صوم شهر رمضان هذا بعينه بل الواجب على شهر في السنة والاختيار لي فيه أي شهر شئت من شهور السنة قال السلطان فلعنته في باطني ولم أظهر له ذلك وهو فلان وسماه لي رحم الله جميعهم فلتعلم إن الشيطان قد مكنه الله من حضرة الخيال وجعل له سلطانا فيها فإذا رأى الفقيه يميل إلى هوى يعرف أنه يردي عند الله زين له سوء عمله بتأويل غريب يمهد له فيه وجها يحسنه في نظره ويقول له إن الصدر الأول قد دانوا الله بالرأي وقاس العلماء في الأحكام واستنبطوا العلل للأشياء وطردوها وحكموا في المسكوت عنه بما حكموا به في المنصوص عليه للعلة الجامعة بينهما والعلة من استنباطه فإذا مهد له هذه السبيل جنح إلى نيل هواه وشهوته بوجه شرعي في زعمه فلا يزال هكذا فعله في كل ماله أو لسلطانه فيه هوى نفس ويرد الأحاديث النبوية ويقول لو أن هذا الحديث يكون صحيحا وإن كان صحيحا يقول لو لم يكن له خبر آخر يعارضه وهو ناسخ له لقال به الشافعي إن كان هذا الفقيه شافعيا أو لقال به أبو حنيفة إن كان الرجل حنفيا وهكذا أقوال أتباع هؤلاء الأئمة كلهم ويرون أن الحديث والأخذ به مضلة وأن الواجب تقليد هؤلاء الأئمة وأمثالهم فيما حكموا به وإن عارضت أقوالهم الأخبار النبوية فالأولى الرجوع إلى أقاويلهم وترك الأخذ بالأخبار والكتاب والسنة فإذا قلت لهم قد روينا عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال إذا أتاكم الحديث يعارض قولي فاضربوا بقولي الحائط وخذوا بالحديث فإن مذهبي الحديث وقد روينا عن أبي حنيفة أنه قال لأصحابه حرام على كل من أفتى بكلامي ما لم يعرف دليلي وما روينا شيئا من هذا عن أبي حنيفة إلا من طريق الحنفيين ولا عن الشافعي إلا من طريق الشافعية وكذلك المالكية والحنابلة فإذا ضايقتهم في مجال الكلام هربوا وسكتوا وقد جرى لنا هذا معهم مرارا بالمغرب وبالمشرق فما منهم أحد على مذهب من يزعم أنه على مذهبه فقد انتسخت الشريعة بالأهواء وإن كانت الأخبار موجودة مسطرة في الكتب الصحاح وكتب التواريخ بالتجريح والتعديل موجودة والأسانيد محفوظة مصونة من التغيير والتبديل ولكن إذا ترك العمل بها واشتغل الناس بالرأي ودانوا أنفسهم بفتاوى المتقدمين مع معارضة الأخبار الصحاح لها فلا فرق بين عدمها ووجودها إذ لم يبق لها حكم عندهم وأي نسخ أعظم من هذا وإذا قلت لأحدهم في ذلك شيئا يقول لك هذا هو المذهب وهو والله كاذب فإن صاحب المذهب قال له إذا عارض الخبر كلامي فخذ بالحديث واترك كلامي في الحش فإن مذهبي الحديث فلو أنصف لكان على مذهب الشافعي من ترك كلام الشافعي للحديث المعارض فالله يأخذ بيد الجميع وبعد أن تبين ما قررناه فاعلم إن الإنسان إذا زهد في غرضه ورغب عن نفسه وآثر ربه أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية حقا من عند حق حتى يرفل في غلائل النور وهي شريعة نبيه ورسالة رسوله فيلقي إليه من ربه ما يكون فيه سعادته فمن الناس من يراها على صورة نبيه ومنهم من يراها على صورة حاله فإذا تجلت له في صورة نبيه فليكن عين فهمه فيما تلقي إليه تلك الصورة لا غير فإن الشيطان لا يتمثل على صورة نبي أصلا فتلك حقيقة ذلك النبي وروحه أو صورة ملك مثله عالم من الله بشريعته فما قال له فهو ذاك ونحن قد أخذنا عن مثل هذه الصورة أمورا كثيرة من الأحكام الشرعية لم نكن نعرفها من جهة العلماء ولا من الكتب فلما عرضت ما خاطبتني به تلك الصورة من الأحكام الشرعية على بعض علماء بلادنا ممن جمع بين الحديث والمذاهب فأخبرني بجميع ما أخبرته به أنه روى في الصحيح عن النبي ص ما غادر حرفا واحدا وكان يتعجب من ذلك حتى أنه من جملة ذلك رفع اليدين في الصلاة في كل خفض ورفع ولا يقول بذلك أهل بلادنا جملة واحدة وليس عندنا من يفعل ذلك ولا رأيته فلما عرضته على محمد بن علي بن الحاج وكان من المحدثين روى لي فيه حديثا صحيحا عن رسول الله ص ذكره مسلم ووقفت عليه بعد ذلك في صحيح مسلم لما طالعت الأخبار ورأيت بعد ذلك أن فيه رواية عن مالك بن أنس رواها ابن وهب وذكر أبو عيسى الترمذي هذا الحديث وقال وبه يقول مالك والشافعي وكذا اتفق لي في الأخذ من صورة نبيي ص ما يعرض علي من الأحكام المشروعة التي لم يكن لنا علم بها وأما إذا ظهرت له على غير صورة رسوله فتلك الصورة
(٧٠)