وهو من الصلاة لمن عقل ما المراد بالصلاة وكما لم يقدح في صلاته ما تشاهده عينه من المحسوسات التي في قبلته التي ظهرت لبصره بوجودها وذواتها من العوالم وحركاتهم ولا يخرجه ذلك عن كونه مصليا بلا خلاف ويكره للمصلي أن يغمض عينيه في صلاته فكذلك أيضا ما يتجلى لعين بصيرته وقلبه من مثل الخواطر وصور الأمور التي تعرض له في باطنه وهي من عند الله وعين بصيرته مفتوح مثل عين حسه فكل صورة ممثلة تجلى له الحق بها في باطنه كما تجلى له في المحسوسات في ظاهره فلا بد أن يدركها بعين بصيرته وقلبه كما أدرك صور المحسوسات ببصره وكما أنه لم يخرجه ذلك عن كونه مصليا على حد ما شرع له مع استقباله القبلة بوجهه كذلك لا يخرجه ما شاهده في باطنه من صور الأكوان عن كونه مصليا على حد ما شرع له مع استقباله ربه وذلك الاستقبال هو المعبر عنه بالنية المطلوبة منه عند الشروع في تلك العبادة فمن لا علم له بالأمور يقدح هذا عنده فإن احتج أحد بقوله ص في الركعتين اللتين يصليهما العبد عقيب الوضوء لا يحدث نفسه فيهما بشئ فليس بحجة وما فهم ما أراده رسول الله ص وما حقق نظره في لفظه بما ذا قيده ص فإنه قيده بالحديث مع نفسه وهذه الصور التي يرى المصلي نفسه فيها إنما يشاهدها بعين قلبه وما تعرض الشارع إلا لمن يحدث لا لمن يبصر لأنه ليس في قوته إن يغمض عين قلبه عما تجلى له الحق من الصور ثم قيد الحديث منه مع نفسه فإن تحدث مع ربه أو مع الصورة التي تتجلى له في صلاته فإن ذلك لا يقدح في صلاته وقد كان رسول الله ص في صلاته إذا مر في تلاوته بآية استغفار استغفر وبآية رغبة سأل الله في نيل ما تدل عليه وما أخرجه شئ من ذلك عن كونه مصليا ولا حدثت له نية أخرى تخرجه عن صلاته كما لم يتحول في ظاهره إلى جهة أخرى غير جهة قبلته فما دام المصلي لم يتحول عن قبلته بوجهه ولا أحدث نية خروج عن صلاته فصلاته صحيحة مقبولة ذلك من فضل الله على عباده ورحمته بهم وما كل إنسان يعلم خطاب الحق عباده وما أراده منهم وأما الحديث المروي عن رسول الله ص فيما يقبل من الصلاة عشرها إلى أن وصل إلى نصفها إلى ما عقل منها فلم يصح ولو صح لما قدح فيما ذكرناه واعلم أن هذا المنزل منزل عظيم جليل القدر له بالنبي ص اختصاص عظيم وهذا القدر الذي ذكرنا منه فيه غنية لمن نظر واستبصر فلنذكر ما يحوي عليه من العلوم فإن أبواب الكتاب كثيرة ويطول الكلام فيها مع كثرتها فيتعذر تحصيله على من يريده فاعلم أنه يحوي على علم الإجمال وهل في علم الله إجمال أو لا يعلم الأشياء إلا على التفصيل وهي غير متناهية ويحوي على علم التفصيل ويحوي على العلم الذي بين الإجمال والتفصيل وهو علم غريب لا يعرفه القليل من العلماء بالله فكيف الكثير وفيه علم الدواوين وترتيبها وفيه علم الأجور والمستحقين لها مع كونهم عبيدا ولم سمي العبد أجيرا فإنه مشعر بأن له نسبة إلى نسبة الفعل الصادر منه إليه فتكون الإجارة من تلك النسبة ومنها طلب العون على خدمة سيده ومن أية جهة تعين الفرض عليه ابتداء قبل الأجرة والأجير لا يفترض عليه إلا حتى يؤجر نفسه والعبد فرض عليه طاعة سيده والإنسان هنا مع الحق على حالين حالة عبودية وحالة إجارة فمن كونه عبدا يكون مكلفا بالفرض كالصلاة المفروضة والزكاة وجميع الفرائض ولا أجر له عليها جملة واحدة في أداء فرضه بل له ما يمتن به عليه سيده من النعم التي هي أفضل من الأجور لا على جهة الأجر ثم إن الله تعالى ندبه إلى عبادته في أمور ليست عليه فرضا فعلى تلك الأعمال المندوب إليها فرضت الأجور فإن تقرب العبد بها إلى سيده أعطاه إجارته عليها وإن لم يتقرب لم يطلب بها ولا عوتب عليها فمن هنا كان العبد حكمه حكم الأجنبي في الإجارة فالفرض له الجزاء الذي يقابله فإنه العهد الذي بين الله وعباده والنوافل لها الأجور وهي قوله تعالى ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا الحديث فالنافلة أنتجت له المحبة الإلهية ليكون الحق سمعه وبصره والمحبة الإلهية هي التي أنزلته من الحق منزلة أن يكون الحق سمعه وبصره والعلة في ذلك أن المتنفل عبد اختيار كالأجير فإذا اختار الإنسان أن يكون عبد الله لا عبد هواه فقد آثر الله على هواه وهو في الفرائض عبد اضطرار لا عبد اختيار فتلك العبودية أوجبت عليه خدمة سيده فيما افترضه عليه فبين الإنسان في عبوديته الاضطرارية وبين عبوديته الاختيار ما بين الأجير والعبد المملوك فالعبد الأصلي ما له على سيده استحقاق إلا ما لا بد منه يأكل
(٦٣)