مثل هذه العلوم بالتبليغ وما نذكر منها ما نذكر إلا للمؤمنين العقلاء الذين اشتغلوا بتصفية نفوسهم مع الله وألزموا نفوسهم التحقق بذلة العبودية والافتقار إلى الله في جميع الأحوال فنور الله بصيرتهم إما بالعلم وإما بالإيمان والتسليم لما جاء به الخبر عن الله وكتبه ورسله فتلك العناية الكبرى والمكانة الزلفى والطريقة المثلى والسعادة العظمى ألحقنا الله بمن هذه صفته وأما ما يتضمن هذا المنزل من العلوم فهو يتضمن علم الحق ومنه ما كنا بسبيله في شرح وجوب العذاب وفيه أيضا علم الاسم الإلهي الذي يستفهم منه الحق عباده مثل قوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم وهو أعلم ومثل قوله كيف تركتم عبادي يقوله للملائكة الذين باتوا فينا ثم عرجوا إليه وهو علم شريف وفيه الزواجر الإلهية وهل هي كونية أو إلهية وعلم السبب الموجب لهلاك الأمم عند كفرهم ومن هلك من المؤمنين بهلاكهم وهلاك المقلدة معهم كل ذلك في الدنيا ومن يخرج من هذا الهلاك في الآخرة ولما ذا وقع الهلاك بالمؤمنين حين وقع بالكافرين فعم الجميع واختلفت الصفة وهل هذا من الركون كما قال ولا تركنوا إلى الذين ظلموا وعلم الركون الموجب لمس النار إياهم هل هو ركون حسي أو معنوي وقوله بتضعيف العذاب على الركون وإن قصد خيرا قال تعالى لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ما سبب هذا الضعف الذي هو أشد من العذاب المستحق بالأصالة وما مراد الله في مثل هذه الآية التي لا يعلم ما فيها إلا بتعريف الله وهو علم عظيم بتضمنه هذا المنزل ومن أهلك بنفسه ومن أهلك بغيره وما حد الهلاك بالغير وما حد الهلاك بالنفس وما مقدار زمانه وهل الهلاك في اختلاف أنواعه لاختلاف الأحوال في الهالكين أو لاختلاف حقائق الأسماء الإلهية حتى يأخذ كل اسم إلهي بهذا المقام قسطه من العذاب وما ينعدم من الأسماء بعد وجودها وما يبقى ولا ينعدم بهلاك أو غيره وعلم الفرق بين من عصى الله وعصى رسوله وعصى أولي الأمر وما يتضمنه عصيان الرسول وعصيان أولي الأمر من معصية الله فإن في عصيانهم عصيان أمر الله وليس في عصيان الله عصيانهم إلا في الرسول خاصة فإن في عصيان الله عصيان رسول الله إذ متعلق المعصية الأمر الإلهي والنهي ولا يعرف ذلك إلا بتبليغ الرسول وعلى لسانه فإن الله لا يبلغ أمره إلا رسل الله وليس لغير الرسل من البشر هذا المقام ومع هذا فلله أمر يعصى فيه وللرسول أمر يعصى فيه وثم أمر بجمع فيه معصية الله ورسوله فكل أمر يتعلق بجناب الله ليس لمخلوق فيه دخول فتلك معصية الله وكل أمر يتعلق بجناب المخلوق الذي هو رسول الله فتلك معصية الرسول وكل أمر يتضمن الجانبين فتلك معصية الله ورسوله قال الله تعالى ومن يعص الله ورسوله وقال ومعصية الرسول فأفرده وقال ومن يشرك بالله فقد ضل فأفرد نفسه وعلم من يستحق العظمة والصفة التي تطلبها وعلم التذكير وعلم السماع من الحق وعلم الملك وملك الملك وعلم ملك العزة وعلم الملك الحامل وعلم الملك المحمول وعلم ملك الهباء وعلم الهول الأعظم وعلم الكنز الذي تحت العرش قال ص إن لا حول ولا قوة إلا بالله خرجت من كنز تحت العرش وما هو الكنز وما يتضمن من الذكر المكنوز فيه سوى لا حول ولا قوة إلا بالله وعلم القوة الإلهية والكونية وعلم ضم المعاني بعضها إلى بعض في حضرة الكلمات وهل لها انضمام في أنفسها مجردة عن مواد الكلمات أو ليس لها ضم في أنفسها وإذا لم يكن لها ضم فهل ذلك لاستحالة الأمر في نفسه فلا يقبل الانضمام أو بإرادة الله وما الفرق بين كتابة المخلوق وكتابة الخالق وهو علم عجيب رأيناه وشاهدناه فإن النبي ص خرج وفي يديه كتابان مطويان قابض بكل يد على كتاب فسأل أصحابه أتدرون ما هذان الكتابان فأخبرهم إن في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول من خلقه الله إلى يوم القيامة وفي اليد الأخرى في الكتاب الآخر أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم إلى يوم القيامة ولو أخذ المخلوق يكتب هذه الأسماء على ما هي عليه في هذين الكتابين لما قام بذلك كل ورق في العالم فمن هنا يعرف كتابة الله من كتابة المخلوقين (وقد حكي) عن بعض البله من أهل الحاج أنه لقي رجلا وهو يطوف طواف الوداع فأخذ ذلك الرجل يمازح هذا الأبله هل أخذت من الله براءتك من النار فقال الأبله لا وهل أخذ الناس ذلك قال له نعم فبكى ذلك الأبله ودخل الحجر وتعلق بأستار الكعبة وجعل يبكي ويطلب
(٥٩)