الشخص أمرا أغضب الملك فأنزل الملك العذاب الذي كان يجده الملك في نفسه المعبر عنه بالغضب أو الذي أثمر الغضب في نفس الملك أوجبه بهذا الشخص أي أسقطه عليه فإذا وجب العذاب على هذا الشخص وجد الملك راحته بعذاب هذا الشخص وليس الأمر كذلك هنا وإنما وجود الراحة بزوال العذاب الذي كان في نفس الملك الذي أورثه فعل هذا الشخص فتعذب الملك به فلما أنزله بهذا الشخص انتقل عنه فوجد الراحة بانتقاله ويسمى في العامة التشفي وهو من الشفاء والشفاء زوال العلة لا نزول العلة التي كانت في العليل بشخص آخر هذا تحقيق الشفاء والراحة ثم كونه نزل ذلك الألم بشخص آخر لهذا به لذة فتلك لذة أخرى زائدة على لذة زوال العذاب والعلو هنا حقيقة للاسم الإلهي فلهذا اتصف العذاب بالسقوط وهو الوجوب قال تعالى أفمن حقت عليه كلمة العذاب أي وجبت وسقطت فإن قلت هذا يصح في حق المخلوقين كيف يتمشى ذلك في حق الجناب العالي سبحانه قلنا فلما عجزنا عن معرفة الله ويحق لنا العجز فينبغي لنا إذا تركنا وعقولنا وحقائقنا أن نلتزم ذلك وننفي عنه مثل هذا وغيره فإن قوة العقل تعطي ذلك غير إن قوة العقل والدليل الواضح قاما للعقل على تصديق الرسول الذي بعثه إلينا في إخباره الذي يخبر به عن ربه بما يكون منه سبحانه في خلقه وبما يكون عليه سبحانه في نفسه ومما يصف به نفسه مما يحيله عليه العقل إذا انفرد بدليله دون الشارع فالعاقل الحازم يقف ذليلا مشدود الوسط في خدمة الشرع قابلا لكل ما يخبر به عن ربه سبحانه وتعالى مما يكون عليه ومنه فكان مما قد أخبر الحق عن نفسه إن قال إن الذين يؤذون الله وقال ص لا أحد أصبر على أذى من الله وقال تعالى كذبني ابن آدم وشتمني ابن آدم وقال تعالى وغضب الله عليهم وقالت الأنبياء قاطبة إن الله يوم القيامة يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وسلم العاقل ذلك كله إلى الله في خبره عن نفسه كما سلم إليه سبحانه أنه يفرح بتوبة عبده وكل من اتصف بالفرح فيتصف بنقيضه ووصف نفسه بأنه يتعجب من الشاب ليست له صبوة ووصف نفسه بأنه يضحك إذا قال هناد يوم القيامة أتستهزئ بي وأنت رب العالمين ووصف نفسه بأنه يتبشبش لعبده إذا جاء المسجد يريد الصلاة ووصف نفسه بأنه يكره لعباده الكفر ويرضى لهم الشكر والايمان فهذا كله واجب على كل مسلم الايمان به ولا يقول العقل هنا كيف ولا لم كان كذا بل يسلم ويستسلم ويصدق ولا يكيف فإنه ليس كمثله شئ فلما رأيناه وصف نفسه بالغضب والأذى ووصف العذاب بالوجوب والسقوط لا يكون إلا من العلو والعلو لا ينبغي إلا لله تعالى فعلمنا إن الأذى الذي وصف الحق به نفسه هو هذا فعلا الأذى بعلو من اتصف به فأسقطه عن ذلك العلو على من يستحقه وهو الذي آذى الله ورسوله فحل به العذاب في دار الخزي والهوان فإن علمت ما قررناه جمعت بين الايمان الذي هو الدين الخالص وبين ما تستحقه مرتبتك من التسليم لله في كل ما يخبر به عن نفسه ولا يتمكن في الإفصاح عن هذا المقام بأكثر من هذا ولا أبلغ إلا أن يخبر الحق بما هو أجلي في النسبة وأوضح وإنما غاية المخلوق من هذا الأمر بمجرد عقله هذا الذي قررناه إلا عقولا أدركها الفضول فتأولت هذه الأمور فنحن نسلم لهم حالهم ولا نشاركهم في ذلك التأويل فإنا لا ندري هل ذلك مراد الله بما قاله فنعتمد عليه أو ليس بمراده فنرده فلهذا التزمنا التسليم فإذا سألنا عن مثل هذا قلنا إنا مؤمنون بما جاء من عند الله على مراد الله به وإنا مؤمنون بما جاء عن رسول الله ص ورسله ع على مراد رسوله ص ومراد رسله ع ونكل العلم في كل ذلك إليه سبحانه وإليهم وقد تكون الرسل بالنسبة إلى الله في هذا الأمر مثلنا يرد عليها هذا الإخبار من الله فتسلمه إليه سبحانه وتعالى كما سلمناه ولا تعرف تأويله هذا لا يبعد وقد تكون تعرف تأويله بتعريف الله تعالى بأي وجه كان هذا أيضا لا يبعد وهذه كانت طريقة السلف جعلنا الله لهم خلفا بمنه فطوبى لمن راقب ربه وخاف ذنبه وعمر بذكر الله قلبه وأخلص لله حبه فهذا قد أعلمتك بمعنى وجوب العذاب على من وجب عليه وأكثر من هذا فلا يحتمل هذا الباب فإن مجاله ضيق في العامة وإن كان المجال فيه رحبا فيه رحبا عند أمثالنا بما منحنا الله به من المعرفة بالله ولكن العقول المحجوبة بالهوى وبطلب الرياسة والنفاسة والعلو على أبناء الجنس يمنعهم ذلك من القبول والانقياد ونحن فما نحن رسل من الله حتى نتكلف إيصال
(٥٨)