أو يلتذ من يتقي فإن تقواه وحذره وخوفه أن لا يوفي مقام التكليف حقه وعلمه بأنه مسؤول عنه لا يتركه يفرح ولا يسر بعزة المقام قال ص أنا أتقاكم لله وأعلمكم بما اتقى حين قالت له الصحابة في اجتهاده قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر بعد قوله المنزل عليه ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وأمثال هذا وقال إنما يخشى الله من عباده العلماء وقال اتقوا الله حق تقاته وقال اتقوا الله ما استطعتم واتقوا الله ويعلمكم الله وهذا هو حظ الوارثة من النبوة أن يتولى الله تعليم المتقي من عباده فيقرب سنده فيقول أخبرني ربي بشرع نبيه الذي تعبده به ممن أخذه أوحى به إليه فهو عال في العلم تابع في الحكم وهم الذين ليسوا بأنبياء وتغبطهم الأنبياء ع في هذه الحالة لأنهم اشتركوا معهم في الأخذ عن الله وكان أخذ هذه الطائفة عن الله بعد التقوى بما عملوا عليه مما جاءهم به هذا الرسول فهم وإن كانوا بهذه المثابة وأنتج لهم تقواهم الأخذ عن الله في موازين الرسل وتحت حوطتهم وفي دائرتهم ووقع الاغتباط في كونهم لم يكونوا رسلا فبقوا مع الحق دائما على أصل عبودية لم تشبها ربوبية أصلا فمن هنا وقع الغبط لراحنهم وإن كانت الرسل أرفع مقاما منهم ألا تراهم يوم القيامة لا يحزنهم الفزع الأكبر ولا يداخلهم خوف البتة والرسل في ذلك اليوم في غاية من شدة الخوف على أممهم لا على أنفسهم والأمم في الخوف على أنفسهم وهؤلاء في ذلك اليوم لا أثر للخوف عندهم فإنهم حشروا إلى الرحمن وفدا ثم لتعلم بعد أن عرفتك بعلو منصبك أيها الصديق في اتباع ما شرع لك إن الناس غلطوا في الصادقين من عباد الله المثابرين على طاعة الله واشترط من لا يعرف الأمر على ما هو عليه ولا ذاق طريق القوم إن الداعي إلى الله إذا كان يدعو إلى الله بحالة صدق مع الله أثر في نفوس السامعين القبول فلا ترد دعوته وإذا دعا بلسانه وقلبه مشحون بحب الدنيا وأغراضها وكان دعاؤه صنعة لم يؤثر في القلوب ولا تعدى الآذان فيقولون إن الكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب وإذا خرج من اللسان لم يتعد الآذان وهذا غاية الغلط فوالله ما من رسول دعا قومه إلا بلسان صدق من قلب معصوم ولسان محفوظ كثير الشفقة على رعيته راغب في استجابتهم لما دعاهم إليه هذه أحوال الرسل في دعائهم إلى الله تعالى وصدقهم ومع هذا يقول ص إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا وقال تعالى ليس عليك هداهم وقال إنك لا تهدي من أحببت وقال ما على الرسول إلا البلاغ فلو أثر كلام أحد في أحد لصدقه في كلامه لأسلم كل من شافهه النبي ع بالخطاب بل كذب ورد الكلام في وجهه وقوتل فإن لم يكن لله عناية بالسامع بأن يجعل في قلبه صفة القبول حتى يلقي بها النور الإلهي من سراج النبوة كما وصفه تعالى وسراجا منيرا ألا ترى الفتيلة إذا كان رأسها يخرج منه دخان وهي غير مشتعلة فإذا سامتت بذلك الدخان السراج اشتعل ذلك الدخان بما فيه من الرطوبة وتعلق فيه النور من السراج ونزل على طريقه حتى يستقر في رأس الفتيلة التي انبعث منها ذلك الدخان إلى السراج فتشعل الفتيلة وتلحق برتبة السراج في النورية فإن كانت لها مادة دهن وهي العناية الإلهية بقيت مستنيرة ما دام الدهن يمدها وذلك النور يذهب برطوبات ذلك الدهن الذي به بقاؤه ولم يبق معه للسراج حديث بعد أن ظهر فيه النور وبقي الإمداد من جانب الحق فلا يدري أحد ما يصل إليه فإن الأنبياء ما دعت لا نفسها الناس وإنما دعتهم إلى ربها فأي قلب اعتنى الله به وقام به حرقة الشوق إلى ذلك الدعاء مثل احتراق رأس الفتيلة ثم انبعث من هذا الشوق همة إلى ما دعاه إليه الرسول في كلامه مثل انبعاث الدخان من تلك النارية التي في رأس الفتيلة وهي قوة جاذبة فجذبت من نور النبوة والوحي والهداية ذلك الاشتعال الذي قام بالدخان فرجع به إلى قلب صاحبه فاهتدى واستنار كما اتقدت هذه الفتيلة ثم فارق النبي ومشى إلى أهله نورا فإن اعتنى الله به وأمده بتوفيقه ثبت له في قلبه نور الهداية بذاك الإمداد ولم يبق للرسول بعد ذلك معه شغل إلا بتعيين الأحكام إلا إن ذلك النور وهو نور الايمان ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا قال ع عن ربه أدعو إلى الله ولم يقل ادعوا لي نفسي وإلى حرف موضوع للغاية فإذا أجاب المؤمن مشى إلى ربه على الطريقة التي شرع له هذا الرسول فلما وصل إلى الله تلقاه الحق تلقي إكرام وهبات ومنح وعطايا فصار يدعو إلى الله على بصيرة كما دعا ذلك
(٥١)