التي هم عليها الملائكة المعبر عنها بالأجنحة كما قال عز وجل جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع وقد صح في الخبر أن جبريل له ستمائة جناح فهذه القوة الروحانية ليس لها في كل ملك تصرف فيما فوق مقام صاحبها مثل الطائر عندنا الذي يهوى سفلا ويصعد علوا وأجنحة الملائكة إنما تنزل بها إلى من هو دونها وليس لها قوة تصعد بها فوق مقامها فإذا نزلت بها من مقامها إلى ما هو دونه رجعت علوا من ذلك الذي نزلت إليه إلى مقامها لا تتعداه فما أعطيت الأجنحة إلا من أجل النزول كما إن الطائر ما أعطى الجناح إلا من أجل الصعود فإذا نزل نزل بطبعه وإذا علا علا بجناحه والملك على خلاف ذلك إذا نزل نزل بجناحه وإذا علا علا بطبعه وأجنحة الملائكة للنزول إلى ما دون مقامها والطائر جناحه للعلو إلى ما فوق مقامه وذلك ليعرف كل موجود عجزه وإنه لا يتمكن له أن يتصرف بأكثر من طاقته التي أعطاه الله إياها فالكل تحت ذل الحصر والتقييد والعجز لينفرد جلال الله بالكمال في الإطلاق لا إله إلا هو العلي الكبير فإذا تقرر هذا فاعلم إن للملائكة مدارج ومعارج يعرجون عليها ولا يعرج من الملائكة إلا من نزل فيكون عروجه رجوعا إلا أن يشاء الحق تعالى فلا تحجير عليه وإنما كلامنا في الوقع في الوجود وإنما سمي النزول من الملائكة إلينا عروجا والعروج إنما هو لطالب العلو لأن لله في كل موجود تجليا ووجها خاصا به يحفظه ولا سيما وقد ذكر أنه سبحانه وسعه قلب عبده المؤمن ولما كان للحق سبحانه صفة العلو على الإطلاق سواء تجلى في السفل أو في العلو فالعلو له والملائكة أعطاهم الله من العلم بجلاله بحيث إذا توجهوا من مقامهم لا يتوجهون إلا لله لا لغيره فلهم نظر إلى الحق في كل شئ ينزلون إليه فمن حيث نظرهم إلى ما ينزلون إليه يقال تتنزل الملائكة ومن حيث إنهم ينظرون إلى الحق سبحانه عند ذلك الأمر الذي إليه وله سبحانه مرتبة العلو يقال تعرج الملائكة فهم في نزولهم أصحاب عروج فنزولهم إلى الخلق عروج إلى الحق وإذا رجعوا منا إلى مقاماتهم يقال إنهم عرجوا بالنسبة إلينا وإلى كونهم يرجعون إلى الحق لغرض ما بأيديهم مما نزلوا إليه فكل نظر إلى الكون ممن كان فهو نزول وكل نظر إلى الحق ممن كان فهو عروج فافهم ثم إن الله عين للرسل معارج يعرجون عليها ما هي معارج الملائكة وعين للاتباع أتباع الرسل معارج يعرجون عليها وهم أتباع الأتباع فإن الرسول تابع للملك والولي تابع للرسول ولهذا قيل للرسول ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه فهو مصغ تابع للملك ونحن مع الرسول بهذه المثابة فإذا نزل الملك بالوحي على الرسول وتلقا منه ألقاه الرسول على التابع وهو الصاحب فتلقاه منه فإذا عرج الملك عرج بذاته لأنه رجوع إلى أصله وإذا عرج الرسول ركب البراق فعرج به البراق بذاته وعرج الرسول لعروج البراق بحكم التبعية والحركة القسرية فكان محمولا في عروجه حمله من عروجه ذاتي فتميز عروج الرسول من عروج الملك ثم إنه لما وصل إلى المقام الذي لا يتعداه البراق وليس في قوته إن يتعداه تدلى إلى الرسول الرفرف فنزل عن البراق واستوى على الرفرف وصعد به الرفرف وفارقه جبريل فسأله الصحبة فقال إنه لا يطيق ذلك وقال له وما منا إلا له مقام معلوم فلو أراد الحق صعوده فوق ذلك المقام لكان محمولا مثل ما حمل الرسول ص ولما وصل المعراج الرفرفي بالرسول ص إلى مقامه الذي لا يتعداه الرفرف زج به في النور زجة غمرة النور من جميع نواحيه وأخذه الحال فصار يتمايل فيه تمايل السراج إذا هب عليه نسيم رقيق يميله ولا يطفئه ولم ير معه أحدا يأنس به ولا يركن إليه وقد أعطته المعرفة أنه لا يصح الأنس إلا بالمناسب ولا مناسبة بين الله وعبده وإذا أضيفت المؤانسة فإنما ذلك على وجه خاص يرجع إلى الكون فأعطته ص هذه المعرفة الوحشة لانفراده بنفسه وهذا مما يدلك أن الإسراء كان بجسمه ص لأن الأرواح لا تتصف بالوحشة ولا الاستيحاش فلما علم الله منه ذلك وكيف لا يعلمه وهو الذي خلقه في نفسه وطلب ع الدنو بقوة المقام الذي هو فيه فنودي بصوت يشبه صوت أبي بكر تأنيسا له به إذ كان أنيسه في المعهود فحن لذلك وأنس به وتعجب من ذلك اللسان في ذلك الموطن وكيف جاءه من العلو وقد تركه بالأرض وقيل له في ذلك النداء يا محمد قف إن ربك يصلي فأخذه لهذا الخطاب انزعاج وتعجب كيف تنسب الصلاة إلى الله تعالى فتلا عليه في ذلك المقام هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور فعلم ما المراد بنسبة الصلاة إلى الله فسكن روعة مع كونه سبحانه لا يشغله
(٥٤)