العدم المطلق في مرآة الحق نفسه فكانت صورته التي رأى في هذه المرآة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن وهو موصوف بأنه لا يتناهى كما إن العدم المطلق لا يتناهى فاتصف الممكن بأنه معدوم فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرآة لا هي عين الرائي ولا غيره فالممكن ما هو من حيث ثبوته عين الحق ولا غيره ولا هو من حيث عدمه عين المحال ولا غيره فكأنه أمر إضافي ولهذا نزعت طائفة إلى نفي الممكن وقالت ما ثم إلا واجب أو محال ولم يتعقل لها الإمكان فالممكنات على ما قررناه أعيان ثابتة من تجلى الحق معدومة من تجلى العدم ومن هذه الحضرة علم الحق نفسه فعلم العالم وعلمه له بنفسه أزلا فإن التجلي أزلا وتعلق علمه بالعالم أزلا على ما يكون العالم عليه أبدا مما ليس حاله الوجود لا يزيد الحق به علما ولا يستفيد ولا رؤية تعالى الله عن الزيادة في نفسه والاستفادة فإن قلت فإن أحوال الممكنات مختلفة وإذا كان الممكن في حالة له مقابل لم يكن في الأخرى وبظهور إحداهما تنعدم الأخرى فمن أين كان العلم له بهذه المرتبة قلنا له إن كنت مؤمنا فالجواب هين وهو أنه علم ذلك من نفسه أيضا واكتسى الممكن هذا الوصف من خالقه وقد ثبت لك النسخ الإلهي في كلام الحق بما شرع وقد ثبت عندك تجلى الحق في الدار الآخرة في صور مختلفة فأين الصورة التي تحول إليها من الصورة التي تحول عنها فهذا أصل تقلب الممكنات من حال إلى حال يتنوع لتنوع الصور الإلهية فإن قلت فهذا التنوع ما متعلقة هل متعلقة الإرادة قلنا لا فإنه ليس للإرادة اختيار ولا نطق بها كتاب ولا سنة ولا دل عليها عقل وإنما ذلك للمشيئة فإن شاء كان وإن شاء لم يكن قال ع ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فعلق النفي والإثبات بالمشيئة وما ورد ما لم يرد لم يكن بل ورد لو أردنا أن يكون كذا لكان كذا فخرج من المفهوم الاختيار فالإرادة تعلق المشيئة بالمراد وهو قوله إنما قولنا لشئ إذا أردناه هذا تعلق المشيئة وقد ذهب بعض الناس من أهل الطريق أن المشيئة هي عرش الذات وهو أبو طالب أي ملكها أي بالمشيئة ظهر كون الذات ملكا لتعلق الاختيار بها فالاختيار للذات من كونها إلها فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وهو التردد الإلهي في الخبر الصحيح ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت والعلم للذات من كونه ذاتا ولهذا تظهر رائحة الجبر مع العلم ويظهر الاختيار مع المشيئة فما حكم وسبق به العلم لا يتبدل عقلا ولا شرعا ما يبدل القول لدي ولرائحة الجبر فيه أعقبه وما أنا بظلام للعبيد لئلا يتوهم متوهم ذلك إذ كان الحكم للعلم فيه فلم أخذ بما هو عليه مجبور غير مختار ومن علم ما ذكرناه من تجلى الحق في مرآة العدم لظهور صور أعيان الممكنات على صورة الوجوب هان عليه هذا كله وعرف أصله واستراح راحة الأبد وعلم إن الممكن ما خرج عن حضرة إمكانه لا في حال وجوده ولا في حال عدمه والتجلي له مستصحب والأحوال عليه تتحول وتطرأ فهو بين حال عدمي وحال وجودي والعين هي تلك العين وهذا من العلم المكنون الذي قيل فيه إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله ولهذا كان الجن والأرواح لو بعث إليهم أحسن ردا على النبي ص حين كان يقرأ عليهم القرآن من الإنس وكذا قال لأصحابه وذلك لأنهم إلى هذه الحضرة أقرب نسبة وإلى عالم الغيب فإن لهم التحول في الصور ظاهرا وباطنا فكان استماعهم لكلام الله أوثق وأحسن للمشاركة في سرعة التنوع والتقلب من حال إلى حال وهو من صفات الكلام فهم بالصفة إليه أقرب مناسبة وأعلم بكلام الله منا ألا تراهم لما منعوا السمع وحيل بينهم وبين السماء بالرجوم قالوا ما هذا إلا لأمر حدث فأمر زوبعة أصحابه وغيره أن يجولوا مشارق الأرض ومغاربها لينظروا ما هذا الأمر الذي حدث وأحدث منعهم من الوصول إلى السماء فلما وصل أصحاب زوبعة إلى تهامة مروا بنخلة فوجدوا رسول الله ص يصلي صلاة الفجر وهو يقرأ فلما سمعوا القرآن أصغوا إليه وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فلو لا معرفتهم برتبة القرآن وعظم قدره ما تفطنوا لذلك فولوا إلى قومهم منذرين فقالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم وقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وكذلك لما قرأ عليهم سورة الرحمن ليلة الجن ما مر بآية يقول فيها فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشئ من آلائك
(٤٨)