بعقولهم إذ العلم بالله لا يقبل التحول إلى الجهل ولا الدخول عليه بالشبه وما من دليل عقلي إلا ويقبل الدخول والشبهة ولهذا اختلف العقلاء فكل واحد من المخالفين عنده دليل مخالفه شبهة لمخالفه لكونه خالف دليل هذا الآخر فعين أدلتهم كلهم هي عين شبهاتهم فأين الحق وأين الثقة وأصل الفساد إنما وقع من حيث حكموا الخلق على الحق الذي أوجدهم ثم قال وسلام على المرسلين وما جاءت الرسل ع إلا بما أحالته هذه الأدلة النظرية وبما أثبتته فصدقهم في نظرهم وأكذبهم في نظرهم فوقعت الحيرة عند هؤلاء فإذا سلموا له ما قاله عن نفسه على ألسنة رسله وانقادوا إليهم فإن انقيادهم إليهم ينزلهم منزلتهم فإنهم ما انقادوا إليهم من حيث أعيانهم فإنهم أمثالهم وإنما انقادوا إلى الذي جاءوا من عنده ونقلوا عنه ما أخبر به عن نفسه على ما يعلم نفسه لا على تأويل من وصل إليه ذلك فلا يعلم مراد الله فيه إلا بإعلام الله فيقف الناظر موقف التسليم لما ورد مع فهمه فيه أنه على موضوع ما هو في ذلك اللسان الذي جاء به هذا الرسول لا بد من ذلك لأنه ما جاء به بهذا اللسان إلا لنعرف أنه على حقيقة ما وضع له ذلك اللفظ في ذلك اللسان ولكن تجهل النسبة فتسلم إليه علم النسبة مع عقلنا الدلالة بالوضع الاصطلاحي في ذلك اللحن الخاص فتنقاد إليه كما انقاد المرسلون ولهذا قال على المرسلين أي هو واجب عليهم الانقياد بقوله وسلام فنكون أمثالهم ثم قال والحمد لله أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على الله فعواقب الثناء على الله بما نزه نفسه عنه إن الثناء على الله في ذلك كونه تعالى أنطقهم به وأوجد ذلك في نفوسهم لأن الذي قالوه يكون حقا ولا بد ولهذا قال والحمد فإن الحمد العاقب فعواقب الثناء ترجع إلى الله وعاقب الأمر آخره ولا آخر لما قالوه إلا كونه موجودا عنه تعالى فيهم فإنه رب العالمين من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأما قوله وله الكبرياء في السماوات والأرض اعلم أن العالم محصور في علو وسفل والعلو والسفل له أمر إضافي نسبي فالعالي منه يسمى سماء والأسفل منه يسمى أرضا ولا يكون له هاتان النسبتان إلا بأمر وسط يكون بينهما ويكون ذلك الأمر في نفسه ذا جهات فما أظله فهو سماء وما أقله فهو أرض له وإن شئت قلت في الملأ الأعلى والملأ الأسفل أنه كل ما تكون من الطبيعة فهو الملأ الأسفل وكل ما تولد من النور فهو الملأ الأعلى وأكمل العالم من جمع بينهما وهو البرزخ الذي بجهاته ميزهما أو بجمعيته ميزهما بالعلو والسفل من حيث المؤثر والمؤثر فيه اسم فاعل واسم مفعول والحق تعالى بالنظر إلى نفسه لا يتصف بشئ مما يتصف به وجود العالم فالعظمة والكبرياء المنسوبان إليه في ألسنة الفهوانية أن الله لما نسب الكبرياء الذي له ما جعل محله إلا السماوات والأرض فقال وله الكبرياء في السماوات والأرض ما قال في نفسه فالمحل هو الموصوف بالكبرياء الذي لله فالعالم إذا نظر إلى نفسه صغيرا ورأى موجدة منزها عما يليق به سمي ربه كبيرا وذا كبرياء لما كبر عنده بما له فيه من التأثير والقهر فلو لم يكن العالم مؤثرا فيه لله تعالى ما علم أنه صغير ولا أن ربه كبير وكذلك رأى لما قامت الحاجة به والفقر إلى غيره احتاج أن يعتقد ويعلم أن الذي استند إليه في فقره له الغني فهو الغني سبحانه في نفس عبده وهو بالنظر إلى ذاته معرى عن النظر إلى العالم لا يتصف بالغنى لأنه ما ثم عن من وكذلك إذا نظر إلى ذله علم أنه لا يذل لنفسه وإنما يذل تحت سلطان غيره عليه فسماه عزيزا فإنه عز الحق في نفس هذا العبد لذله فالعبد هو محل الكبرياء والغني والعظمة والعزة التي لله فوصف العبد ربه بما قام به فأوجب المعنى حكمه لغير من قام به ومن هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر إن الباري مريد بإرادة حادثة لم تقم به لأنه ليس محلا للحوادث فخلق إرادة لا في محل فأراد بها فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم تقم به هذا القدر وهو الذي لاح عندهم من روح هذا الأمر الذي ذكرناه في الكبرياء وما تم لهم تحقيق النظر إلى آخره بل عبروا عن ذلك بعبارات سيئة مختلطة فإن أكثر العقلاء يرون أن المعاني لا توجب أحكامها إلا لمن قامت به وهذا غلط طرأ عليهم لكونهم أثبتوا الصفات أعيانا متعددة وجودية لا تقوم بنفسها بل تستدعي موصوفا بها تقوم به فيوصف بها فلو علموا أن ذلك كله نسب وإضافات في عين واحدة تكون تلك العين بالنسبة إلى كذا عالمة وإلى كذا قادرة وإلى كذا مريدة وإلى كذا كبيرة وإلى كذا غنية وإلى كذا عزيزة إلى سائر الصفات والأسماء لأصابوا
(٥٣٧)