الأرحام القريبة إلا ليسعدوا بذلك وما من شخص إلا وله رحم يصلها ولو بالسلام كما قال صلوا أرحامكم ولو بالسلام فإذا وصلنا رحمنا لم نصل على الحقيقة إلا هو وإن حملناه في عين رحمنا فهو يعرف نفسه كما إن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل إن تقع بيد السائل وقال لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وفي نفس الأمر قد قلنا إنا وقاية له من كل سوء فلا بد لكل أحد أن يكون له صديق من الناس على أي دين كان ولا بد له من مراعاة صديقه وهو في النسب رحمه بلا شك لأنه أخوه لأمه وأبيه فكل بر طهر من أحد إلى أحد فهو صلة رحم لذا يقبلها الله من كل أحد فضلا من الله ونعمة غير أنهم بينهم مفاضلة في القرب قال علي بن أبي طالب القيرواني في ذلك الناس في جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء والقرابة قرابتان قرابة الدين وقرابة الطين فمن جمع بين القرابتين فهو أولى بالصلة وإن انفرد أحدهما بالدين والآخر بالطين فتقدم قرابة الدين على قرابة الطين كما فعل الحق تعالى في الميراث فورث قرابة الدم ولم يورث قرابة الطين إذا اختلفا في الدين فكان الواحد مؤمنا بالله وحده والأخ الآخر كافر بأحدية الله ومات أحد الأخوين لم يجعل له نصيبا في ميراثه فقال لا يتوارث أهل ملتين وقد ذهب عقيل دون علي بن أبي طالب بمال أبيه لما مات أبو طالب عم رسول الله ص وكل من قطع رحمه في حق شخص وهو قد وصلها في حق شخص آخر فالذي يرعى الله من ذلك جانب الوصلة لا جانب القطع فإنه القائل على لسان رسوله ص أتبع السيئة مثل قطع تلك الرحم الحسنة مثل وصلة الرحم تمحها فوصل رحمه في زيد يمحو قطع رحمه في عمرو وهذا أخوه وهذا أخوه لأن الله يصل الرحم ولا يقطعها فالحق يعضده في صلة من وصلها ويقطع من قطعها لأنه عين ذلك الذي قطعها ففي الوصل كلمة عناية إلهية بالواصل وفي القطع كلمة تحقيق أي أن الأمر كذلك فما في العالم إلا من هو وصول رحمه الأقوى الأقرب فإن أفضل الصلات في الأرحام صلة الأقرب فالأقرب وقد جاء في الصدقة أن أفضلها اللقمة يجعلها الإنسان في فمه لأنه لا أحد أقرب إليه من نفسه والله أقرب إلى العبد من نفسه منه فإنه القائل نحن أقرب إليه من حبل الوريد فإذا وصله العبد فقد وصل الأقرب بلا شك فقد أتى ما هو الأولى بالوصل في الأقربين فإن النص فيه ولهذا عم كل الأشياء اتساع رحمته فمن حجر رحمة الله فما حجرها إلا على نفسه ولولا أن الأمر على خلاف ذلك لم ينل رحمة الله من حجرها وقصرها ولكن والله ما يستوي حكم رحمة الله فيمن حجرها بمن لم يحجرها وأطلقها من عين المنة كما أطلقها الله في كتابه في قوله ورحمتي وسعت كل شئ فما من شئ إلا وهو طامع في رحمة الله فمنهم من تناله بحكم الوجوب ومنهم من تناله بحكم المنة كنت قاعدا يوما بإشبيلية بين يدي شيخنا في الطريق أبي العباس العريني من أهل العلياء بمغرب الأندلس فدخل عليه رجل فوقع ذكر المعروف والصدقة فقال الرجل الله يقول الأقربون أولى بالمعروف فقال الشيخ على الفور إلى الله فما أبردها على الكبد وكذلك هو الأمر في نفسه ولا أقرب من الله فهو القريب سبحانه الذي لا يبعد إلا بعد تنزيه وتنقطع الأرحام بالموت ولا ينقطع الرحم المنسوبة إلى الحق فإنه معنا حيثما كنا ونحن ما بيننا نتصل في وقت وننقطع في وقت بموت أو بفقد وارتحال وكم من حال قد أغنى عن سؤال ومن جهل نفسه فهو بغيره أجهل ومن علم غيره فهو بنفسه أعلم من عرف نفسه عرف ربه ليس الذي يخبر عن غيره * مثل الذي يخبر عن نفسه لأنه يخبر عن فوقه * في غيبه كان وفي حسه وكل من أخبر عن نفسه * فإنما أخبر عن جنسه والحق إن قيدته إنه * لا يحجب المحبوس في حبسه
(٥٣٢)