الله رمى فالرامي هو الله والبصر يشهد محمدا أو من وراء حجاب صورة بشرية لتقع المناسبة بين الصورتين بالخطاب أو يرسل رسولا وهو ترجمان الحق في قلب العبد نزل به الروح الأمين على قلبك فإذا أوحى الله إلى الرسول البشري من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وألقاه الرسول علينا فهو كلام الحق لنا من وراء حجاب تلك الصورة المسماة رسولا إن كان مرسلا إلينا أو نبيا وقد تكون هذه الرتبة لبعض الأولياء فإذا انكشف الغطاء البشري عن عين القلب أدرك جميع صور الموجودات كلها بهذه المثابة في خطاب بعضهم بعضا وسماع بعضهم من بعض فأنجد المتكلم والسامع والباطش والساعي والمحس والمتخيل والمصور والحافظ وجميع القوي المنسوبة إلى البشر فالمنازلات كلها برزخية بين الأول والآخر والظاهر والباطن وصور العالم وصور التجلي فأجره حتى يسمع كلام الله فالمترجم المتكلم وقد عرفنا إن الكلام المسموع هو كلام الله لا كلامه فتنظر ما جاء به في خطابه البرزخي وافتح عين الفهم لإدراكه وكن بحسب ما خاطبك به ولا يسمع كلام الله إلا بسمع الله ولا كلام الصورة إلا بسمع الصورة والسامع من وراء السمع والمتكلم من وراء الكلام والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ من التبديل والتغيير فأما ما يدل على توحيد وإما صفة تنزيه وإما صفة فعل وإما ما يعطي الاشتراك وإما تشبيه وإما حكم وإما قصص وإما موعظة بترغيب أو ترهيب أو دلالة على مدلول عليه فهو محصور بين محكم ومتشابه كل خطاب في العالم فالطور الجسم لما فيه من الميل الطبيعي لكونه لا يستقل بنفسه في وجوده وكتاب مسطور عن إملاء إلهي ويمين كاتبة بقلم اقتداري في رق وهو عينك من باب الإشارة لا من باب التفسير منشور ظاهر غير مطوي فما هو مستور والبيت المعمور وهو القلب الذي وسع الحق فهو عامرة والسقف المرفوع ما في الرأس من القوي الحسية والمعنوية والبحر المسجور رأى الطبيعة الموقدة بما فيها من النار الحاكم الموجب للحركة إن عذاب ربك لواقع أي ما تستعذ به النفس الحيوانية والروح الامري والعقل العلوي من سيدها المربي لها المصلح من شأنها لواقع لساقط عليها إذ كانت لها المنازل السفلية من حيث إمكانها مطلقا ومن حيث طبعها مقيدا ما له من دافع لأنه ما ثم غير ما ذكرناه فمن عندنا التلقي لتدليه والترقي لتدانيه وبين هذين الحكمين ظهور البرازخ التي لها المجد الشامخ والعلم الراسخ وقد تكون المنازلة بين الأسماء الإلهية مثل المنازلة في الحرب على هذا الإنسان إذا خالف أمر الله فيطلبه التواب والغفور والرحمن ويطلبه المنتقم والضار والمذل وأمثالهم وقد ورد في الحديث من هذا الباب قوله تعالى ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من لقائي وهذا من المنازلة وقد ذقت هذا الكشف رأيته من الله في قتل الدجال بحضور رسول الله ص معي فيه ومن هنالك انفتح لي باب بسط الرحمة على عباد الله وعلمت إن رحمته وسعت كل شئ فلا بد أن ينفذ حكمها في كل شئ وعلمت حكمة انعدام الأعراض لا نفسها في الزمان الثاني من زمان وجودها وخلق الله الأمثال في المحل أو الأضداد إذ لو ثبت عرض ثبوت محله إذا لم يكن محله معنى مثله أي عرض آخر مثله في العرضية لبقى كما يبقى الجوهر ولم تكن تتبدل حاله على الجوهر فيكون إما دائم الشقاء من أول خلقه أو دائم السعادة فتكون رحمة الله قاصرة على أعيان مخصوصين كما تكون بالوجوب في قوم منعوتين بنعت خاص وفيمن لا ينالها بصفة مقيدة وجوبا تناله الرحمة من باب الامتنان كما نالت هذا الذي استحقها ووجبت له بالصفة التي أعطته فاتصفت بها فوجبت الرحمة له فالكل على طريق الامتنان نالها ونالته فما ثم إلا منة إلهية أصلا وفرعا ثم تسري المنازلة بين الإصبعين من أصابع الرحمن في القلب في ميدان الإرادة فإن أزاغه أزاغه رحمان وإن أقامه أقامه رحمان فما ثم حكم إلا له لأنه المستوي على العرش فلا تنفذ الأحكام إلا من هذا الاسم ثم تظهر المنازلة بين الملك والشيطان على القلب باللمتين اللتين يجدهما المكلف في قلبه فإن لم يكن مكلفا ووجد التردد في قلبه فلا يخلوا إما أن يكون في دار تكليف أو لا يكون فإن كان في دار تكليف فالتردد إنما هو من اللمة الملكية واللمة الشيطانية بطلب كل واحد منهما لما نفذت فيه لمته أن يكون للمكلف في ذلك دخول بإعانة في فساد فيجوز الإثم عليه كصبيين لم يبلغا حد التكليف فيتضاربان عن لمة الشيطان التي غلبت على كل واحد منهما فيجئ والداهما أو شخصان من قرابتهما أو جيرانهما أو من
(٥٢٦)