أمر مشاهد لكونه قرنه بالأعين لم يقرنه بالأذن ولا بشئ من الإدراكات ولذلك علمنا أن قوله ص جعلت قرة عيني في الصلاة إنه ما أراد المناجاة وإنما أراد شهود من ناجاه فيها ولهذا أخبرنا أن الله في قبلة المصلي فقال اعبد الله كأنك تراه فإنه ص كان يراه في عبادته ما كان كأنه يراه ومن أهل الله من تكون له هذه الرتبة ولولا حصولها ما قرنها بالعبادة دون العمل فما قال اعمل لله كأنك تراه فإن العبادة من غير شهود صريح أو تخيل شهود صحيح لا تصح وفي هذا الباب قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله وفيه علم مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو وكل ما هو علمه موقوف على الله لا يعلم إلا بإعلام الله أو بإشهاده ومن هذا الباب قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله ومن هذا الباب فعدة من أيام أخر من غير تعيين أيام معينة أما صورة هذه المنازلة من العبد فهي كما قال أبو يزيد في الجلوس مع الله بلا حال ولا نعت وهو أن يكون العبد في قصده على ما يعلمه الله لا يعين على الله شيئا فإنه من عين في قصده على الله شيئا فلا فرق بينه في الصورة وبين من عبد الله على حرف فصاحب هذه المنازلة يعبد ربه بتعيين الأوقات لا بتعيينه فهو في حكم وقته والوقت من الله لا منه فلا يدري بما ذا يفجأه وقته فغايته أن يكون مهيا لوارد مجهول إلهي يقيمه في أي عبادة شاء فتنتج له تلك العبادة من الحق في منازلته ما لا يناسب ذلك العمل في علمه إلا أنه مناسب لعبادته في ذلك العمل فهو زيادة بالنظر إلى العمل نتيجة بالنظر إلى العبادة فيه وهذا مقام ما وجدنا له ذائقا في علمنا من أهل الله لأن أكثرهم لا يفرقون بين العبادة والعمل وكل عمل لا يظهر له الشارع تعليلا من جهته فهو تعبد فتكون العبادة في كل عمل غير معلل أظهر منها في العمل المعلل فإن العمل إذا علل ربما أقامت العبد إليه حكمة تلك العلة وإذا لم يعلل لا يقيمه إلى ذلك العمل إلا العبادة المحضة واعلم أن العبادة حال ذاتي للإنسان لا يصح أن يكون لها أجر مخلوق لأنها ليست بمخلوقة أصلا فالأعيان من كل ما سوى الله مخلوقة موجودة حادثة والعبادة فيها ليست بمخلوقة فإنها لهذه الأعيان أعني أعيان العالم في حال عدمه وفي حال وجوده وبها صح له أن يقبل أمر الله بالتكوين من غير تثبط بل أخبر الله تعالى أنه يقول له كن فيكون فحكم العبادة للممكن في حال عدمه أمكن فيه منها في حال وجوده إذ لا بد له في حال وجوده واستحكام رأيه ونظره لنفسه واستقلاله من دعوى في سيادة بوجه ما ولو كان ما كان فينقص له من حكم عبادته بقدر ما ادعاه من السيادة فلذلك قلنا إن حكم العبادة للممكن أمكن منه في حال عدمه منها في حال وجوده فمن استصحبته فقد استصحبه الشهود دنيا وآخرة ونعته إذا كانت هذه حالته أنه لا يفرح بشئ ولا يحزن لشئ ولا يضحك ولا يبكي ولا يقيده وصف ولا يميزه نعت وجودي فلا رسم له ولا وصف قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه في هذا المقام ضحكت زمانا وبكيت زمانا وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي وقال في هذا المقام لما قيل له كيف أصبحت فقال لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي فوصف نفسه بالإطلاق ولا يصح الإطلاق إلا في العبادة خاصة لأن العبد مقيد بإرادة السيد الذي يملكه فيه ومن كان له الإطلاق فلا يتقيد أجره ولا يتعين لأن العبد لا أجر له ما هو مثل الأجير وقد كان لشيخنا أبي العباس العريني من العلياء من غرب الأندلس وهو أول شيخ خدمته وانتفعت به له قدم راسخة في هذا الباب باب العبودية وإنما صاحبها العبد في شأنه كما إن الحق في شأنه فجزاء الإطلاق الإطلاق سأل جبريل رسول الله ص عن الإحسان فقال إن تعبد الله كأنك تراه وما ذكر العمل وإنما ذكر العبادة وقال الله تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فهو قولنا ما جزاء الإطلاق إلا الإطلاق والأجور مقيدة من عشر إلى سبعمائة ضعف لأنها أجور أعمال معينة متناهية الزمان فلا بد أن يتقيد أجرها بالعدد ولو كان جزافا فإنه مقيد بالعدد عند الله كالصابر يوفى أجره بغير حساب معين علمه عندنا وعند الله مقيد بقدر معلوم لأن الصبر يعم جميع الأعمال لأنه حبس النفس على الأعمال المشروعة فلهذا لم يأخذه المقدار والأعمال تأخذها لمقادير فعلى قدر ما يقام فيه المكلف من الأعمال إلى حين موته فهو يحبس نفسه عليها حتى يصح له حال الصبر واسم الصابر فيكون أجره غير معلوم ولا مقدر عنده جملة واحدة وإن كان معلوما عند الله كالمجازفة في البيع من غير كيل في المكيل ولا وزن في الموزون وفارق الصبر العبادة بأن العبادة له في حال عدمه وعدم تكليفه والصبر لا يكون له في حال عدمه ولا في حال عدم تكليفه فالعبادة لا تبرح معه دنيا
(٥٣٩)