ما وقع حسا ولكن وقع في حقه ممثلا فأدركه في التمثيل كالواقع في الحس كالعابد الذي قال له اعبد الله كأنك تراه فما هذا مثل العرش البارز فإن الله هنا موجود في نفس الأمر في قبلة المصلي أو العابد في أي عمل كان وبروز العرش ليس كذلك فمن الناس من يعبد الله كأنه يراه للحجاب الذي منعه من أن يراه ومن الناس من يعبده على رؤية ومشاهدة وليس بين الذي يراه والذي لا يراه إلا كون هذا الذي لا يراه لا يعرفه مع أنه مشهود له عز وجل والعارف يعرفه ولكن مثل هذه المعرفة لا ينبغي أن تقال فإنها لا تقبل فإذا شهدها الإنسان من نفسه لم يتمكن له أن يجهلها فيكون عند ذلك من الذين يرون الله في عبادتهم ويزول عنهم حكم كأنك تراه فاعلم ذلك وأما قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم يعني للقوم الذين تقدم وصفهم جزاء بما كانوا يعملون فما هو جزاؤهم هنا إلا إخفاؤهم ذلك عن هذه النفس التي لا تعلم فيكون إخفاء حال هؤلاء وما لهم عند الله عن هذه النفوس التي لا تعلم جزاء لهم أي جزاؤهم أن يجهل مقامهم عند الله فلا تقدر نفس قدرهم كما قال الحق عن نفسه وما قدروا الله حق قدره فأعطاهم نعته في خلقه فلم تعلم نفس ما أخفي لهؤلاء من قرة أعين مما تقر به أعينهم وكذلك قال ص وجعلت قرة عيني في الصلاة وإنما ذكر الأعين دون جميع الإدراكات لأن كل كلام إلهي وغير إلهي لا بد أن يكون عينه عن عين موجودة وما ثم إلا كلام فما ثم إلا أعيان توجد ومتعلق الرؤية إدراك عين المرئي واستعداد المرئي للرؤية سواء كان معدوما أو موجودا فإذا رآه قرت عينه بما رآه إذ كان غيره لا يرى ذلك ولهذا سئل موسى الرؤية لتقر عينه بما يراه فكان رسول الله ص في حال صلاته صاحب رؤية وشهود ولذلك كانت الصلاة محل قرة عينه لأنه مناج والأعيان كما قلنا تتكون بالكلام فهو والحق في أثناء صور ما دام مناجيا في صلاته فيرى ما يتكون عن تلاوته وما يتكون عن قول الله له في مقابلة ما تكلم به كما ورد في الخبر الذي فيه تقسيم الصلاة من قول العبد فيقول الله وأما قوله في هذا الباب وما يعلم تأويله إلا الله فإن مال الشئ لا يصح أن يكون واقعا فيرى إلا إن مثل للرائي فهو كأنه يراه فإن المال يقابل الحال فالحال موجود والمال ليس بموجود ولهذا سمي ما لا والتأويل هو ما يؤول إليه حكم هذا المتشابه فهو محكم غير متشابه عند من يعلم تأويله وليس إلا الله والراسخ في العلم يقول آمنا به كل من عند ربنا يعني متشابهه ومحكمه فإذا أشهده الله ما له فهو عنده محكم وزال عنه في حق هذا العالم التشابه فهو عنده كما هو عند الله من ذلك الوجه وهو عنده أيضا متشابه لصلاحيته إلى الطرفين من غير تخليص كما هو في نفس الأمر بحكم الوضع المصطلح عليه فهو وإن عرف تأويله فلم يزل عن حكمه متشابها فغاية علم العالم الذي أعلمه الله بما يؤول إليه علمه بالوجه الواحد لا بالوجهين فهو على الحقيقة ما زال عن كونه متشابها لأن الوجه الآخر يطلبه بما يدل عليه ويتضمنه كما طلبه الوجه الذي اعلم الله به هذا الشخص فعلم الله على الحقيقة به أن يعلم تأويله أي ما يؤول إليه من الجانبين في حق كل واحد أو الجوانب إن كانوا كثيرين فيعلمه متشابها لأنه كذا هو إذ كل جانب يطلبه بنصيبه ودلالته منه فالمحكم محكم لا يزول والمتشابه متشابه لا يزول وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل أن علم العالم بما يؤول إليه ذلك اللفظ في حق كل من له فيه حكم إنه يخرجه عن كونه متشابها ليس الأمر كذلك بل هو متشابه على أصله مع العلم بما يؤول إليه في حق كل من له نصيب فيه فهذه الإحاطة مجهولة ولا تعلم إلا في هذه المنازلة فيعطي من هذا المتشابه كل ذي حق حقه كما أعطى الله كل شئ خلقه من الشبه والاشتراك وأما مفاتح الغيب فلا يعلمها إلا هو وهو من هذا الباب فلا تعلم إلا بإعلام الله وإن كانت تعلم فلا تعلم أنها مفاتح الغيب فتنبه لهذا واعلم أن الإعلام أظهر لنا أن الاستعدادات من القوابل هي مفاتح الغيب لأنه ما ثم إلا وهب مطلق عام وفيض جود ما ثم غيب في نفس الأمر ولا شهود بل معلومات لا نهاية لها ومنها ما لها وجود ومنها ما لا وجود لها ومنها ما لها سببية ومنها ما لا سببية لهما ومنها ما لها قبول الوجود ومنها ما لا قبول لها فثم مفتاح وفتح ومفتوح يظهر عند فتحه ما كان هذا المفتوح حجابا عنه فالمفتاح استعدادك للتعلم وقبول العلم والفتح التعليم والمفتوح الباب الذي كنت واقفا معه فإذا لم تقف وسرت رأيت في كل قدم ما لم تره فعلمت ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما فالاستعداد غير مكتسب بل هو منحة إلهية فلهذا لا يعلمه إلا الله فيعلم إن ثم مفاتح غيب لكن لا يعلم ما هو مفتاح غيب خاص في مفرد مفرد من الغيوب فإذا حصل الاستعداد من الله تعالى حصل المفتاح وبقي الفتح حتى يقع
(٥٤٢)