من قيد الحق بإطلاقه * فما أقام الميت من رمسه هيهات لا يعرف أسراره * إلا الذي حج إلى قدسه من أسه الحق فذاك الذي * يطرحه الضارب من أسه سر إلهي لا يعرفه كثير من الناس بعث الله تعالى موسى وهارون إلى فرعون وأوصاهما أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى والترجي من الله واقع عند جميع العلماء كما قال عسى الله أن يتوب عليهم فقال العلماء عسى من الله واجبة ولعل وعسى أختان فعلم الله أنه يتذكر ولا يكون التذكر إلا عن علم سابق منسي ثم قال لهما لما رأى خوفهما من أنه لا يجيب إلى ما يدعوانه إليه لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى أي أسمع من فرعون إذا بلغتما إليه رسالة ربكما وأرى ما يكون منكما في حقه مما أوصيتكما به من اللين والتنزل في الخطاب فلم يجد فرعون على من يتكبر لأن التكبر من المتكبر إنما يقع لمن يظهر له بصفة الكبرياء فلما رأى ما عندهما من اللين في الخطاب رق لهما وسرت الرحمة الإلهية بالعناية الربانية في باطنه فعلم إن الذي أرسلا به هو الحق فكان المتكلم من موسى وهارون الحق وكان السمع الذي تلقى من فرعون كلام موسى الحق فحصل القبول في نفسه وستر ذلك عن قومه فإنه شأن الحق ألا ترى إليه تعالى في القيامة يتجلى في صورة ينكر فيها فهذا من ستره ولما علم فرعون إن الحق سمع خلقه وبصره ولسانه وجميع قواه لذلك قال بلسان الحق أنا ربكم الأعلى إذ علم إن الله هو الذي قال على لسان عبده أنا ربكم الأعلى فأخبر الله تعالى أنه أخذه نكال الآخرة والأولى والنكل القيد فقيده الله بعبوديته مع ربه في الأولى بعلمه أنه عبد الله وفي الآخرة إذا بعثه الله يبعثه على ما مات عليه من الايمان به علما وقولا وليس بعد شهادة الله شهادة وقد شهد له أنه قيده في الأولى والآخرة إن في ذلك أي في هذا الأخذ لعبرة أي تعجبا وتجاوزا مما يسبق منه إلى فهم العامة إلى ما فيه مما يفهمه الخاصة من عباد الله وهم العلماء ولذلك قال لعبرة لمن يخشى وقد عرفنا أنه إنما يخشى الله من عباده العلماء وقد قال لعله يتذكر أو يخشى ولا يخشى حتى يعلم بالتذكر ما كان نسيه من العلم بالله ومن قيده الحق فلا يتمكن له الإطلاق والسراح من ذلك القيد وقولهما إننا نخاف أن يفرط علينا أي يتقدم علينا بالحجة بما يرجع إليه من التوحيد أو أن يطغى أي يرتفع كلامه لكونه يقصد إلى عين الحقيقة فنتعب معه فلهذا قال لهما لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى وأوصاهما أن يلينا له في القول فلما قالا له ص ما قالاه على الوجه الذي عهد إليهما الله أن يقولاه قال لهما فرعون فمن ربكما يا موسى كما يقول فتانا القبر للميت لا لجهله بما يقوله وإنما يريد أن يتنبه الحاضرون لما يقولانه مما يكون دليلا على وجود الله ليعلموا صدقهما لأن العاقل إذا علم أنهما إذا قالا مثل ذلك ربما إن الخواطر تتنبه ويدعوهم قولهما إلى النظر فيه لنصبهما في قولهما مواضع الدلالة على الله فإنه لا يسأل خصمه فدل سؤاله أنه يريد هداية من يفهم من قومه ما جاء به فقالا ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى فانصفا فرعون في هذا الخطاب وهذا من القول اللين فإنه دخل تحت قولهما كل شئ ادعاه فرعون فأعطاه الله خلقه فكان في كلامهما جواب فرعون لهما إذ كان ما جاء به فرعون خلق لله ثم زادهما في السؤال ليزيدا في الدلالة قال فما بال القرون الأولى فقالا علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى مثل ما نسيت أنت حتى ذكرناك فتذكرت فلو كنت إلهاما نسيت لأن الله قال لعله يتذكر ثم زادا في الدلالة بما قالا بعد ذلك إلى تمام الآية فما زال ذلك مضمرا في نفس فرعون لم يعطه حب الرياسة أن يكذب نفسه عند قومه فيما استخفهم به حتى أطاعوه فكانوا قوما فاسقين فما شركه معهم في ضمير انهم فلما رأى البأس قال آمنت فتلفظ باعتقاده الذي ما زال معه فقال له الله تعالى الآن قلت ذلك فأثبت الله بقوله الآن إنه آمن عن علم محقق والله أعلم وإن كان الأمر فيه احتمال وحقت الكلمة من الله وجرت سنته في عباده إن الايمان في ذلك الوقت لا يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت إلا قوم يونس كما لا ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه حد القطع ولا الزاني مع توبته عند الحاكم مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند الله وحديث ماعز في ذلك صحيح إنه تاب توبة لو قسمت على أهل مدينة لو سعتهم ومع هذا لم تدفع عنه الحد بل أمر ص برجمه كذلك كل من آمن بالله عنده رؤية
(٥٣٣)