يريدون الوصف الثبوتي ولا يكون إلا بالتشبيه ومن جعل مثل لمن لا يقبل المثل فما قدره حق قدره أي ما أنزله المنزلة التي يستحقها فذمهم بالجهل حيث تعرضوا لما ليس لهم به علم من نفوسهم فلو قالوا فيه بما أنزله إليهم لم يتعلق بهم ذم من قبل الحق في ذلك لأن الحاكي لا ينسب إليه ما حكاه فلا يتعلق به ذم في ذلك ولا مدح فعلم الخلق بالله لا يدرك بقياس وإنما يدرك بالبقاء السمع لخطاب الحق إما بنفسه وإما بلسان المترجم عنه وهو الرسول مع الشهود الذي لا يسعه معه غير ما سمعه من الخطاب كما قال إن في ذلك إشارة لما تقدم لذكرى لمن كان له قلب فأحال على النظر الفكري بتقلب الأحوال عليه أو ألقى السمع وهو شهيد وما عدا هذين الصنفين فلا طريق لهم إلى العلم بما يستحقه الحق أن يضاف إليه وما يستحقه الخلق أن يضاف إليهم فمن عرف نفسه فإنه لا يماثله الحق ومن عرف ربه فإنه لا يماثله الخلق إذ معرفتكم بجزء واحد من العالم من كونه دليلا عين معرفتك بالعالم كله فلهذا أنزلنا العالم منزلة الواحد فنفينا عنه المثلية إذ ما ثم في الوجود إلا الحق والحق ما هو مثل للعالم وإن كان العالم يماثل بعضه بعضا كما تحكم في الأسماء الإلهية في الغافر والغفور والغفار وأمثال هذا بأنها أمثال وإن تميزت بمراتب كالعالم فإن فيه أمثالا وإن تميزت بالأعيان والمراتب ولهذا ما نزلت هذه الآيات إلا في مقابلة قول كان منهم ورد ذلك في الخبر النبوي وأما في القرآن فقوله وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ مع إقرارهم أن التوراة نزلت على موسى ع من عند الله فكذبوا على الله فاسودت وجوههم أي ذواتهم فلا نور لهم يكشفون به الأشياء بل هم عمي فهم لا يبصرون وأما قوله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فهذه آية ما نزل عند العارفين أشكل منها لما فيها من التداخل فدخل تحت قوله تعالى في تنزيه نفسه عما يصفون ما يصفه به عباده مما تعطيهم أدلتهم في زعمهم بالنظر الفكري كل على حياله وكل واحد يدعي التنزيه لخالقه في ذلك فأما الفيلسوف فنفى عنه العلم بمفردات العالم الواقعة في الحس منهم فلا يعلم عندهم أن زيد بن عمرو حرك أصبعه عند الزوال مثلا ولا إن عليه في هذا الوقت ثوبا معينا لكن يعلم أن في العالم من هو بهذه الصفة مطلقا من غير تعيين لأن حصول هذا العلم على التعيين إنما هو للحس والله منزه عن الحواس فقد اندرج عندهم هذا العلم بهذا الجزء في العلم الكل الذي هو أن في العالم من هو بهذه المثابة وقد حصل المقصود عندهم وفاتهم بذلك علم كبير فإن صاحب هذه الحركة المعينة من الشخص المعين يجوز أن تقوم بغيره فبأي شئ تقوم الحجة لله على تعيين هذا العبد حتى قرره عليها في الآخرة أو حرمه ما ينبغي له في الدنيا أو لم يتحرك بتلك الحركة وإن كان من أصل صاحب هذا النظر إنكار الآخرة المحسوسة وإنكار الوهب في الدنيا والجزاء الصاحب هذه الحركة على التعيين وإن من مذهبه أن تلك الحركة هي المانعة لذاتها أن يحصل لهذا المتحرك بها ما تمنعها حقيقة تلك الحركة فهو بان على أصل فاسد وهو أن الله ما صدر عنه إلا ذلك الواحد الأول لأحديته ثم انفعل العالم بعضه عن بعض عن غير تعلق علم من الله تفصيلي بذلك بل بالعلم الكل الذي هو عليه وأما المتكلم مثل الأشعري فانتقل في تنزيهه عن التشبيه بالمحدث إلى التشبيه بالمحدث فقال مثلا في استواءه على العرش إنه يستحيل عليه أن يكون استواءه استواء الأجسام لأنه ليس بجسم لما في ذلك من الحد والمقدار وطلب المخصص المرجح للمقادير فيثبت له الافتقار بل استواءه كاستواء الملك على ملكه وأنشدوا في ذلك استشهادا على ما ذهبوا إليه من الاستواء قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق فشبهوا استواء الحق على العرش باستواء بشر على العراق واستواء بشر محدث فشبهوه بالمحدث والقديم لا يشبه المحدث فإن الله يقول ليس كمثله شئ والنظر الصحيح يعطي خلاف ما قالوه فقال تعالى في حق كل ناظر سبحان ربك لمحمد ص ضمير هذا الكاف أي ربك الذي أرسلك إليهم لتعرفهم بما أرسلك له إليهم وأنزله بوساطتك عليهم رب العزة أي هو الممتنع لنفسه أن يقبل ما وصفوه به في نظرهم وحكموا عليه بعقولهم وأن الحق لا يحكم عليه خلق والعقل والعاقل خلق وإنما يعرف الحق من الحق بما أنزله إلينا أو أطلعنا عليه كشفا وشهودا بوحي إلهي أو برسالة رسول ثبت صدقه وعصمته فيما يبلغه عن الله إلينا عما يصفون من حيث نظروا بفكرهم واستدلوا
(٥٣٦)