من استواء ونزول واستعطاف وتلطف في خطاب وغضب ورضاء وكلها نعوت المخلوق فلو لم يصف نفسه بنعوتنا ما عرفناه ولو لم ينزه نفسه عن نعوتنا ما عرفناه فهو المعروف في الحالين والموصوف بالصفتين ولهذا خلق من كل شئ زوجين ليكون لأحد الزوجين العلو وهو الذكر ولأحد الزوجين السفل وهو الأنثى ليظهر من بينهما إذا اجتمعا بقاء أعيان ذلك النوع وجعل ذلك في كل نوع نوع ليعلمنا أن الأمر في وجودنا على هذا النحو فنحن بينه وبين معقولية الطبيعة التي أنشأ منها الأجسام الطبيعية وأنشأ من نسبة توجهه عليها الأرواح المدبرة وكل ما سوى الله لا بد أن يكون مركبا من راكب ومركوب ليصح افتقار الراكب إلى المركوب وافتقار المركوب إلى الراكب لينفرد سبحانه بالغنى كما وصف نفسه فهو غني لنفسه ونحن أغنياء به في عين افتقارنا إليه فما لا نستغني عنه فكل ما سوى الله مدبر ومدبر لهذا المدبر فالمدبر اسم فاعل بما هو مدبر يجد ذلك قوة في ذاته يفتقر إلى مدبر يظهر فيه تدبيره ولا مدبر اسم مفعول بما هو مدبر يجد ذلك حالة في ذاته يفتقر بها إلى من يدبر ذاته لصلاح عينه وبقائه ففقر كل واحد إلى الآخر فقر ذاتي وإنما يتصف بالغنى عنه لكونه لا يفتقر إلا إلى مدبر لا إلى هذا المدبر بعينه كما إن المدبر يتصف بالغنى لكونه لا يفتقر إلا إلى مدبر لا إلى هذا المدبر بعينه فكل واحد منهما غني عن الآخر عينه لا عن التدبير منه وفيه فغني كل واحد ليس على الإطلاق وغنا الحق مطلق بالنظر إلى ذاته والخلق مفتقر على الإطلاق بالنظر أيضا إلى ذاته فتميز الحق من الخلق ولهذا كفر من قال إن الله فقير ونحن أغنياء فهذا التمييز لا يرتفع أبدا لأنه تميز ذاتي في الموصوف به من حق وخلق فما ثم إلا شيئيتان شيئة حق وشيئة خلق فليس كمثل الخلق في افتقاره شئ لأنه ما ثم إلا الحق والحق لا يوصف بالافتقار فما هو مثل الخلق فليس مثل الخلق شئ وليس كمثل الحق في غناه شئ لأنه ما ثم إلا الخلق والخلق لا يتصف بالغنى لذاته فما هو مثل الحق فليس مثل الحق شئ لأنه كما قلنا ما ثم شئ إلا الخلق والحق فالخلق من حيث عينه ذات واحدة في كثير والحق من حيث ذاته وعينه ذات واحدة لها أسماء كثيرة ونسب فمن لم يعلم قوله تعالى ليس كمثله شئ على ما قررناه فلا علم له بهذه الآية فإنه جاء بالكاف ثم نفى المثلية عن نفسه بزيادة الكاف للتأكيد في النفي ثم نفى المثلية عن العالم بجعل الكاف صفة فعلق النفي بالمماثل في النفي أي انتفت عن الخلق المثلية لأنه ما ثم إلا حق لا يماثل وانتفت عن الحق المثلية لأنه ما ثم إلا خلق لا يماثل فهكذا تفهم المعاني * إذا جاءنا النور بالبيان فليس في أكون غير فرد * حق وإن شئتم اثنتان وكل عين لها انفراد * بذاتها لا ترى بثاني وقد أتى في الصلاة حكم * منه بتقسيمه المثاني فميز الخلق عنه فيها * لأجل ذا لاحت اثنتان فقال بيني وبين عبدي * فمن رآه فقد رآني فلست غير إله ولا هو * لوحدتي في الوجود ثاني ترجم عنه لسان خلق * بما ذكرنا من البيان وأما قوله وما قدروا الله حق قدره وهو الذي أنطقهم بما نطقوا به فيه فإنه يقول عن المشهود عليهم إنهم قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ فما من شئ ينطق إلا والله أنطقه واختلف المنطوق به فثم نطق أي منطوق به يتعلق به مديح وثم منطوق به يتعلق به دم وثم منطوق به يتعلق به تجوز لتواطئ جعله الله في العالم وثم منطوق به على ما هو المدلول عليه في نفسه فهو إخبار عن حقيقة وما ثم إلا ما ذكرناه فنطق المدح شهادة أولي العلم بتوحيد الله ونطق الذم قول القائل إن الله فقير ويد الله مغلولة يريد البخل ونطق بالحقيقة والله خلقكم ونطق بالتجوز للتواطئ وما تعملون والآية واحدة فأما قوله وما قدروا الله حق قدره لكونهم ليسوا مثله فما عرفوه ومن جهل أمره لا يقدر قدره فهم ليسوا له بمثل ولا هو مثل لهم فوصفوه بنفوسهم وبما هم عليه ولا يتمكن لهم إلا ذلك لأنهم
(٥٣٥)