مقيدا مطلقا نزيها * مقدسا عامرا مكانا من قال شوقا تريد عيني * بأن ترانا فقد جفانا أين أنا منك يا جفونا * لم تلحظ الفعل والزمانا كيف لها أن ترى جلالي * وقد رأى الصعق من رآنا قال الله عز وجل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال وهو معكم أينما كنتم فكان بهويته معنا وبأسمائه أقرب إلينا منا فإن الحق إذا جمع نفسه مع أحديته فلأسمائه من حيث ما تدل عليه من الحقائق المختلفة وما مدلولها سواه فإنها ومدلولاتها عينه وأسماؤه فلا بد أن تكون الكناية عن ذلك في عالم الألفاظ والكلمات بلفظ الجمع مثل نحن وإنا بكسر الهمزة وتشديد النون مثل قوله إنا كل شئ خلقناه بقدر وإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقد تفرد إذا أراد هويته لا أسماءه مثل قوله إنني أنا الله لا إله إلا أنا فوحد وأين نحن ما أنا ولا معنى لمن قال إن ذلك كناية عن العظمة لا بل هي عن الكثرة وما ثم كثرة إلا ما تدل عليه منه أسماؤه الحسنى أو تكون عينه أعيان الموجودات وتختلف الصور لاختلاف حقائق الممكنات المركبات إذ قد قال عن هويته إنها جميع قوى الصور أي إذا أحب الشخص من عباده كشف له عنه به فعلم أنه هو فرآه به مع ثبوت عين الممكن وإضافة القوة التي هي عينه تعالى إلى العبد فقال كنت سمعه فالضمير في قوله كنت سمعه عين العبد والسمع عين الحق ولا يكون العبد عبدا إلا بسمعه وإلا فمن يقول إذا نودي سمعنا وأطعنا إلا المأمور عند تكوينه وفي تصرفاته فلو لا أنه سميع ما قيل له كن ولا يكون لولا طاعته لربه في أمره إياه والحق سمعه ليس غيره في كل حال فكشف له سبحانه عن ذلك وإذا كان الأمر على ما ذكره عن نفسه وأعطاه الشهود والكشف صح الجمع في لفظة إنا ونحن وإذا لم يكن عين القوي والموجودات إلا هو صح الإفراد في إنني أنا الله والهو والأنت وضمير المفرد بالخطاب بالكاف في إياك نعبد وأمثال ذلك فأفرد نفسه في جمعيتنا فقال وهو معكم وجمع نفسه في أحديتنا في قوله ونحن أقرب إليه فأفرد الضمير العائد على الإنسان فلم يكن الجمع إلا بنا ولا الواحد العين إلا به فأينما كان الخلق فالحق يصحبه من حيث اسمه الرحمن لأن الرحم شجنة منه وجميع الناس رحم فإنهم أبناء أب واحد وأم واحدة فإنه خلقنا من نفس واحدة وهو آدم وبث من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء فنحن أرحام من حيث إن الرحم شجنة من الرحمن فصحت القرابة وقد أمر بصلة الأرحام فقال تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وأمر بأن نوصل الأرحام وهو أولى بهذا الوصف منا فلا بد أن يكون للرحم وصولا فإنها شجنة من الرحمن وقد لعن الله واللعنة البعد من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه أي لا ينتسب إلى غير رحمه فنحن من حيث الرحم قرابة قربى ومن حيث الرتبة عبيد فلا ننتسب إلا إليه ولا ننتمي لسواه وقد قال تعالى في الصحيح عنه اليوم أضع نسبكم لأنه عارض عرض لنا ما هو أصل لأنا نفترق ولا نجتمع وقد لا يعرف بعضنا بعضا فنسبنا الذي بيننا ما هو أصل إذ لو كان أصلا ما قبل العوارض ولا صح النكران ثم قال وأرفع نسبي فإنا ما زلنا عنه قط ولا افترقنا منه ولا فارقنا ولا زال عنا وكيف نزول عمن نحن في قبضته ومن هو معنا أينما كنا وعلى أي حالة وصفنا من وجود وعدم ثم قال أين المتقون فقمنا إليه بأجمعنا لأنه ما منا إلا من اتخذه وقاية في دفع الشدائد عن نفسه وهو قوله وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه وما منا إلا من كان الحق له وقاية في دفع ما يقال عنه فيه إنه سوء فيكون كالمجن له تتعاور علينا سهام إلا سواء فيضاف كل مكروه إلينا فداء له فصح أن الناس كلهم متقون لكن ثم تقوى خصوص وتقوى عموم ميزتها الشرائع ونبهت عليها فمن علم ما قلناه حمل التقوى حملا عاما على جميع الخلق ومن وقف مع النقوي المعلومة عند الناس خصص وما نبهنا على هذا الأمر إلا مراعاة للشرع فإن الشرع راعى ذلك ونبه عليه حتى إذا علمه الإنسان وتحقق به ظهر له الفضل على غيره فإن الله يقول هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقد أمر بصلة الأرحام والرحمن لنا رحم نرجع إليه فلا بد للمطيع أمره أن يصل رحمه وليس إلا وصلته بربه فإن الله بلا شك قد وصلنا من حيث إنه رحم لنا فهو الرزاق ذو القوة المتين المنعم على أي حالة كنا من طاعة أمره أو معصية وموافقة أو مخالفة فإنه لا يقطع صلة الرحم من جانبه وإن انقطعت عنه من جانبنا لجهلنا ثم إنه ما أمر بصلة
(٥٣١)