في العالم في حكم الزمان ولا يزال ما مضى منه وما يستقبل في حكم زمان الحال ألا ترى في كلام الله في إخباره إيانا بأمور قد انقضت عبر عنها بالزمان الماضي وبأمور تأتي عبر عنها بالزمان المستقبل وأمور كائنة عبر عنها بالحال فالحال كل يوم هو في شأن والماضي وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا والمستقبل إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وسأصرف عن آياتي الذين يتكبرون وسأريكم آياتي فلا يستعجلون ونطلب عند هذا كله عينا وجودية يكون هذا كله فيها وهي له كالظرف فلا نجدها لا عقلا ولا حسا لكن وهما ظرفيا وذاك الظرف مظروف لظرف متوهم لا يتناهى يحكم به الوهم لا غير فما ثم إن عقلت ما يعقل بالوهم ولا يعقل بالعقل ولا بالحس إلا الوجود الحق الذي نستند إليه في وجودنا فلهذه النسبة تسمى لنا بالدهر حتى لا يكون الحكم إلا له لا لما يتوهم من حكم الزمان إذ لا حاكم إلا الله ففيه ظهرت أعيان الأشياء بأحكامها فهو الوجود الدائم وأعيان الممكنات بأحكامها تظهر من خلف حجاب وجوده للطافته فنرى أعيان الممكنات وهي أعياننا من خلف حجاب وجوده ولا نراه كما نرى الكواكب من خلف حجب السماوات ولا نرى السماوات وإن كنا نعقل أن بيننا وبين الكواكب سماوات إلا أنها من اللطافة لا تحجب من يكون وراءها والله لطيف بعباده فمن لطفه أنه هو الذي يأتيهم بكل ما هم فيه ولا تقع أبصار العباد إلا على الأسباب التي يشهدونها فيضيفون ما هم فيه إليها فظهر الحق باحتجابه فهو الظاهر المحجوب فهو الباطن للحجاب لا لك وهو الظاهر لك وللحجاب فسبحان من احتجب في ظهوره وظهر في حجابه فلا تشهد عين سواه ولا ترتفع الحجب عنه ولم يزل ربا ولم نزل عبيدا في حال عدمنا ووجودنا فكل ما أمر سمعنا وأطعنا في حال عدمنا ووجودنا إذا لم يخاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال فإذا خاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال والسنة الإرسال فمن كان منا مشهوده ما وراء الحجاب وهو المثل والرسول سمع فأطاع من حينه ومن كان مشهوده المثل سمع ضرورة ولم يطلع للحسد الذي خلق عليه من تقدم أمثاله عليه فظهر المطيع والعاصي أي عصى على مثله لكونه ما نفذ فيه أمره بالطاعة ما عصى على الله ولهذا قال بعضهم إنما احتجب الله في الدنيا عن عباده لأنه سبق في علمه أنه يكلفهم ويأمرهم وينهاهم وقد قدر عليهم بمخالفة أمره وبموافقته في أوقات فلا بد من ظهور المخالفة والموافقة فخاطبهم على السنة الرسل ع وحجب ذاته سبحانه عنهم في صورة الرسول وذلك لأنه قال من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال فأجره حتى يسمع كلام الله فلو لا أن الرسول صورته الظاهرة المشهودة ما صح هذا القول فوقعت المخالفة من المخالف بالقدر السابق والحكم القضائي ولا يتمكن أن يخالف أمره على الكشف فانحجب بالإرسال انحجابه بالأسباب فوقع الذم على الأسباب فهي وقاية الرحمن فما خالف أحد الله تعالى وما خولف إلا الله تعالى فلا تزال الأسباب للمحجوبين مشهودة ولا يزال الحق للعارفين مشهودا مع عقلهم الحجب في حق من حجبته فكثف اللطيف عندهم ولطف الكثيف عند العارفين بالله فيعلم العقل ما لا يشهد البصر * وتشهد العين ما ترمي به الفكر فجمع العارفون بين العقل والبصر فلهم قلوب يفقهون بها ولهم أعين يبصرون بها ولهم آذان يسمعون بها والمحجوبون على قسمين منهم من له قلب لا يفقه به وعين لا يبصر بها ومنهم من له قلب يفقه به وله عين لا يبصر بها وهم المؤمنون فيعلمون ولا يشهدون ومن عداهم لا يعلمون ولا يشهدون وأهل الله يعلمون ويشهدون ولهذا إذا خاطبهم يسمعون ويطيعون ويشهدون ذواتهم محلا لما يخلق الله فيها مما يحكم فيه أنه مخالفة وموافقة فهو مطيع مهيا لقبول ما يتكون فيه كالرحم من المرأة مهيأ لما يتكون فيه غير ممتنع فالعبد الذي بهذه المثابة شجنة موجدة فهو رحمان في العالم رحيم بالمؤمنين فالرب زمانه المربوب والمربوب زمانه الرب لأنه ما ثبت الحكم لكل واحد بما حكم عليه به إلا بالآخر فمن كون كل واحد ينطلق عليه ليس كمثله شئ لا يكون واحد منهما زمانا للآخر لارتفاع النسب وهذا لا يكون إلا بالنظر لعين كل واحد لا لحكمه فإذا انتقلت إلى النظر في الحكم الذي هو موقوف على العالم به وعلى الحق بالعالم صح أن يكون الحكم من كل واحد زمانا للآخر كالمتضايفين متى صحت الأبوة لزيد على عمرو قيل حين صحت البنوة لعمرو من زيد فزمان أبوة زيد بنوة عمرو وزمان بنوة عمر وأبوة زيد فالأب زمانه الابن والابن زمانه الأب
(٥٤٧)